الروحانية بآلاتها والروح بالجسد (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في صنع الله وتطابق عالميه الأصغر والأكبر.
[٤] (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤))
(وَفِي) أرض الجسد (قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) من العظم واللحم والشحم والعصب ، وجنّات من أشجار القوى الطبيعية والحيوانية والإنسانية من أعناب القوى الشهوانية التي يعصر منها خمر هوى النفس ، والقوى العقلية التي يعصر منها خمر المحبة ، يعصر العشق وزرع القوى النباتية وتخيل سائر الحواس الظاهرة والباطنة (صِنْوانٌ) كالعينين والأذنين والمنخرين (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) كاللسان وآلة الفكر والوهم والذكر (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) هو : ماء الحياة (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي) أكل الإدراكات والملكات كتفضيل مدركات العقل على الحسّ والبصر على اللمس وملكة الحكمة على العفة وأمثالها (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) عجائب صنعه.
[٥] (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥))
(وَإِنْ تَعْجَبْ) عن قولهم فهو مكان التعجب لأن الإنسان في كل ساعة خلق آخر جديد ، بل العالم لحظة فلحظة خلق جديد بتبدّل الهيئات والأحوال والأوضاع والصور ، فكيف ينكر الخلق الجديد من نظر في عالم الكون والفساد بعين الاعتبار؟ (أُولئِكَ الَّذِينَ) حجبوا عن شهود أفعال الربوبية وتجلياتها ، فكيف عن تجليات الصفات الإلهية؟ (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) فلا يقدرون أن يرفعوا رؤوسهم المنتكسة إلى الأرض القاصر نظرها إلى ما يدانيها من الحسّ فيروا ملكوت الأرواح ويشاهدوا عالم القدرة وما يبعد عن منازل الحسّ من المعقولات (وَأُولئِكَ أَصْحابُ) نيران جهنم الأفعال في قعر هاوية الطبيعة (هُمْ فِيها خالِدُونَ).
[٦] (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦))
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) بمناسبة استعدادهم للشرّ لاستيلاء الهيئات المظلمة والرذائل عليها فينزعون إلى الشرّ لغلبة الشرّ عليهم. (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ) عقوبات أمثالهم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ) مع ظلمهم على أنفسهم باكتساب تلك الهيئات الغاسقة الحاجبة عن النور لمن لم ترسخ فيه ولم تبطل استعداده فيزيلها بنور رحمته (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) لمن ترسخت فيه وصارت رينا وأبطلت الاستعداد.