(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي : لكل مؤمن بالإيمان الغيبي إذ الصبر والشكر مقامان للسالك قبل الوصول حال العقد الإيماني والسير في الأفعال لتحصيل رتبة التوكل ، وحينئذ آياته التي يعتبر بها ويستمدها يتمسك بها ويعتمدها في سلوكه هي الأفعال ، فكلما رأى نعمة أو سمع بها أو وصلت إليه من هداية وغيرها شكره باللسان وبالقلب بتصوره من عند الله ، وبالجوارح بحسن التلقي والقبول والطاعة والعمل بمقتضاها على ما ينبغي ، وكلما رأى أو سمع بلاء أو نزل به صبر بحفظ اللسان عن الجزع. وقول : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١) وربط القلب وتصوّر أن له فيه خير أو مصلحة وإلا لما ابتلاه الله به ومنع الجوارح عن الاضطراب. (أَفِي اللهِ شَكٌ) مع وضوحه ، أي : كيف تشكون فيما ندعوكم إليه وهو الذي لا مجال للشك فيه لغاية ظهوره وإنما يوضح ما يوضح به.
(يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ليستر بنوره ظلمات حجب صفاتكم فلا تشكّون فيه عند جلية اليقين (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى) غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة إذ كل شخص عين له بحسب استعداده الأول كمال هو أجله المعنوي كما أن لكل أحد بحسب مزاجه الأول غاية من العمر هي أجله الطبيعي ، وكما أن الآجال الاخترامية تقطع العمر دون الوصول إلى الغاية المسمّاة بسبب من الأسباب فكذلك الآفات والموانع التي هي حجب الاستعداد تحول دون الوصول إلى الكمال المعين.
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) للخلائق ثلاث برزات ، برزة عند القيامة الصغرى بموت الجسد وبروز كل أحد من حجاب جسده إلى عرصة الحساب والجزاء ، وبرزة عند القيامة الوسطى بالموت الإرادي عن حجاب صفات النفس والبروز إلى عرصة القلب بالرجوع إلى الفطرة ، وبرزة عند القيامة الكبرى بالفناء المحض عن حجاب الإنية إلى فضاء الوحدة الحقيقية وهذا هو البروز المشار إليه بقوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٢) ، ومن كان من أهل هذه القيامة يراهم بارزين لا يخفى على الله منهم شيء. وأما ظهور هذه القيامة للكل وبروز الجميع لله ، وحدوث التقاول بين الضعفاء والمستكبرين ، فهو بوجود المهديّ القائم بالحق ، الفارق بين أهل الجنّة والنار عند قضاء الأمر الإلهي بنجاة السعداء وهلاك الأشقياء.
[٢٢ ـ ٢٦] (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٥٦.
(٢) سورة إبراهيم ، الآية : ٤٨.