أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦))
(وَقالَ الشَّيْطانُ) ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم وتنوّر بنوره ، فأسلم وأطاع وصار محقا عالما بأن الحجة لله في دعوته للخلق إلى الحق لا له ، ودعوته إلى الباطل بتسويل الحطام وتزيين الحياة الدنيا عليهم واهية فارغة عن الحجة ، وأقرّ بأن وعده تعالى بالبقاء بعد خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث حق قد وفى به. ووعدي بأن ليس إلا الحياة الدنيا باطل اختلقته ، فاستحقاق اللوم ليس إلا لمن قبل الدعوة الخالية عن الحجة فاستجاب لها وأعرض عن الدعوة المقرونة بالبرهان فلم يستجب لها (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ).
(كَلِمَةً طَيِّبَةً) أي : نفسا طيبة ، كما مرّ في تسمية عيسى عليهالسلام (كلمة). (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) كما شبهها بالزيتونة في القرآن وبالنخلة في الحديث (أَصْلُها ثابِتٌ) بالاطمئنان وثبات الاعتقاد بالبرهان (وَفَرْعُها فِي) سماء الروح (تُؤْتِي أُكُلَها) من ثمرات المعارف والحكم والحقائق (كُلَ) وقت (بِإِذْنِ رَبِّها) بتسهيله وتيسيره بتوفيق الأسباب وتهيئتها (وَمَثَلُ) نفس (خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) مثل الحنظلة أو الشرجط (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) استؤصلت للطيش الذي فيها وتشوش الاعتقاد وعدم القرار على شيء.
[٢٧ ـ ٢٩] (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩))
(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان اليقيني بالبرهان الحقيقي (فِي الْحَياةِ) الحسيّة لاستقامتهم في الشريعة وسلوكهم في تحصيل المعاش طريق الفضيلة والعدالة (وَفِي الْآخِرَةِ) أي : الحياة الروحانية لاهتدائهم بنور الحق في الطريقة وكونهم في تحصيل المعارف على بصيرة من الله وبيّنة من ربّهم (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) في الحياتين لنقص استعداداتهم بحظوظ صفات النفس وبقائهم في الحيرة للاحتجاب عن نور الحق (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) التي أنعم بها عليهم في الأزل من الهداية الأصلية والنور الاستعدادي الذي هو بضاعة النجاة (كُفْراً) أي :احتجابا وضلالة ، كما قال تعالى : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١) أضاعوا النور الباقي واستبدلوا به اللذة الحسية الفانية ، فبقوا في الظلمة الدائمة
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٦.