إبراهيم صلوات الله عليه أمة ، وهذه القيمية أي القيام بهداية الناس داخلة في الاستقامة المأمور هو بها في الحقيقة (لِيُنْذِرَ) متعلق بعامل قيما أي : جعله قيما بأمر العباد لينذر (بَأْساً شَدِيداً) وحذف المفعول الأول للتعميم لأن أحدا لا يخلو من بأس مؤمنا كان أو كافرا ، كماقال تعالى : «أنذر الصدّيقين بأني غيور ، وبشّر المذنبين بأني غفور».
إذ البأس عبارة عن قهره ولذلك عظمه بالتنكير ، أي : بأسا يليق بعظمته وعزّته ووصفه بالشدّة وخصصه بقوله : (مِنْ لَدُنْهُ) والقهر قسمان : قهر محض ظاهره وباطنه قهر كالمختص بالمحجوبين بالشرك ، وقسم ظاهره قهر وباطنه لطف ، وكذا اللطف كما قال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : سبحان من اشتدّت نقمته على أعدائه في سعة نعمته ، واتسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته. ومن القسم الثاني القهر المخصوص بالموحدين من أهل الفناء أطلق الإنذار للكل تنبيها ثم فصل اللطف والقهر مقيدين بحسب الصفات والاستحقاقات فقال : (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : الموحدين لكونهم في مقابلة المشركين الذين قالوا : اتخذ الله ولدا.
(الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) أي : الباقيات من الخيرات والفضائل لأن الأجر الحسن هو من جنة الآثار والأفعال التي تستحق بالأعمال. واعلم أن الإنذار والتبشير اللذين هما من باب التكميل اللازم لكونه قيما عليهم كلاهما أثر ونتيجة عن صفتي القهر واللطف الإلهيين اللذين محل استعداد قبولهما من نفس العبد الغضب والشهوة ، فإنّ العبد ما استعدّ لقبولهما إلا بصفتي الغضب والشهوة وفنائهما كما لم يستعدّ لفضيلتي الشجاعة والعفة إلا بوجودهما ، فلما انتفتا قامتا مقامهما لأن كلّا منهما ظل لواحدة من تينك يزول بحصولها فعند ارتواء القلب منهما وكمال التخلق بهما حدث عن القهر الإنذار عند استحقاقية المحل بالكفر والشرك وعن اللطف التبشير باستحقاقية الإيمان والعمل الصالح ، إذ الإفاضة لا تكون إلا عند استحقاق المحل.
[٥] (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥))
(ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ) أي : ما لهم بهذا القول من علم بل إنما يصدر عن جهل مفرط وتقليد للآباء لا عن علم ويقين ويؤيده قوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً) أي : ما أكبرها كلمة (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ليس في قلوبهم من معناه شيء لأنه مستحيل لا معنى له إذ العلم اليقيني يشهد أن الوجود الواجبي العلي أحديّ الذات لا يماثله الوجود الممكن المعلول. والولد هو المماثل لوالده في النوع المكافئ له في القوة والشهود الذاتي يحكم بفناء الخلق في الحق والمعلول في المشهود فلم يكن ، ثم سوّاه شيء غيره فضلا عن الشبيه والولد كما قال أحدهم :