هذا الوجود وإن تكثر ظاهرا |
|
وحياتكم ما فيه إلا أنتم |
(إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) لتطابق الدليل العقلي والوجدان الذوقي الشهوديّ على إحالته.
[٦ ، ٧] (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧))
(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) أي : مهلك (نَفْسَكَ) من شدّة الوجد والأسف على توليهم وإعراضهم ، وذلك لأن الشفقة على خلق الله والرحمة عليهم من لوازم محبة الله ونتائجه ولما كان صلىاللهعليهوسلم حبيب الله ومن لوازم محبوبيته محبته لله لقوله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (١) وكلما كانت محبته للحق أقوى كانت شفقته ورحمته على خلقه أكثر لكون الشفقة عليهم ظلّ محبته لله اشتدّ تعطفه عليهم ، فإنهم كأولاده وأقاربه بل كأعضائه وجوارحه في الشهود الحقيقي ، فلذلك بالغ في التأسف عليهم حتى كاد يهلك نفسه. وأيضا علم أن المحب إذا تقوّى بالمحبوب في استمرار الوصل ظهر قبوله في القلوب لمحبة الله إياه فلما لم يؤمنوا بالقرآن استشعر ببقية من نفسه وتوجس بنقصان حاله فعلاه الوجد وعزم على قهر النفس بالكلية طلبا للغاية وكان ذلك من فرط شفقته عليهم وكمال أدبه مع الله حيث أحال عدم إيمانهم على ضعف حاله لا على عدم استعدادهم ولذلك سلّاه بقوله : (إِنَّا جَعَلْنا) أي : لا تحزن عليهم فإنه لا عليك أن يهلكوا جميعا ، إنّا نخرج جميع الأسباب من العدم إلى الوجود للابتلاء ثم نفنيها ولا حيف ولا نقص ، أو إنّا جعلنا ما على أرض البدن من النفس ولذاتها وشهواتها وقوى صفاتها وإدراكاتها ودواعيها (زِينَةً) لها ليظهر أيهم أقهر لها وأعصى لهواها في رضاي وأقدر على مخالفتها لموافقتي.
[٨ ، ٩] (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩))
(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ) بتجلينا وتجلي صفاتنا (ما عَلَيْها) من صفاتها هامدة كأرض ملساء لا نبات فيها أي : نفنيها وصفاتها بالموت الحقيقي أو بالموت الطبيعي ولا نبالي ، بل (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أي : إذا شاهدت هذا الإنشاء والإفناء فليس حال أصحاب الكهف آية عجيبة من آياتنا بل هذه أعجب. واعلم أن أصحاب الكهف هم السبعة الكمل القائمون بأمر الحق دائما الذين يقوم بهم العالم ولا يخلو عنهم الزمان على عدد الكواكب السبعة السيّارة وطبقها فكما سخرها الله تعالى في تدبير نظام عالم الصورة كما أشار
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٥٤.