والخاص ، أي النعمة الظاهرة كالصحة والرزق. والباطنة كالمعرفة والعلم. وباعتبار منتهائيته التي هي معنى مالكية الأشياء في يوم الدين إذ لا يجزي في الحقيقة إلا المعبود الذي ينتهي إليه الملك وقت الجزاء بإثابة النعمة الباقية عن الفانية عند التجرّد عنها بالزهد وتجليات الأفعال عند انسلاخ العبد عن أفعاله ، وتعويض صفاته عند المحو عن صفاته وإبقائه بذاته ، وهبته له الوجود الحقاني عند فنائه فله تعالى مطلق الحمد وماهيته أزلا وأبدا على حسب استحقاقه إياه بذاته باعتبار البداية والنهاية وما بينهما في مقام الجمع على ألسنة التفاصيل ، فهو الحامد والمحمود تفصيلا وجمعا ، والعابد والمعبود مبدأ ومنتهى.
ولما تجلى في كلامه لعباده بصفاته شاهدوه بعظمته وبهائه ، وكمال قدرته وجلاله ، فخاطبوه قولا وفعلا بتخصيص العبادة به ، وطلب المعونة منه ، إذ ما رأوا معبودا غيره ، ولا حول ولا قوّة لأحد إلّا به. فلو حضروا لكانت حركاتهم وسكناتهم كلها عبادة له وبه ، فكانوا على صلاتهم دائمين داعين بلسان المحبة لمشاهدتهم جماله من كل وجه على كل وجه.
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي : ثبتنا على الهداية ومكّنا بالاستقامة في طريق الوحدة التي هي طريق المنعم عليهم بالنعمة الخاصة الرحيمية التي هي المعرفة والمحبة والهداية الحقانية الذاتية من النبيين والشهداء والصدّيقين والأولياء ، الذين شاهدوا أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا ، فغابوا في شهودهم طلعة وجهه الباقي عن وجود الظل الفاني.
[٦ ، ٧] (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧))
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الذين وقفوا مع الظواهر ، واحتجبوا بالنعمة الرحمانية ، والنعيم الجسمانيّ ، والذوق الحسيّ عن الحقائق الروحانية ، والنعيم القلبي ، والذوق العقليّ كاليهود إذ كانت دعوتهم إلى الظواهر والجنان والحور والقصور ، فغضب عليهم لأن الغضب يستلزم الطرد والبعد والوقوف مع الظواهر التي هي الحجب الظلمانية غاية البعد. (وَلَا الضَّالِّينَ) الذين وقفوا مع البواطن التي هي الحجب النورانية واحتجبوا بالنعمة الرحيمية عن الرحمانية ، وغفلوا عن ظاهرية الحقّ ، وضلّوا عن سواء السبيل ، فحرموا شهود جمال المحبوب في الكلّ كالنصارى إذ كانت دعوتهم إلى البواطن وأنوار عالم القدّوس ودعوة المحمديين الموحدين إلى الكلّ ، والجمع بين محبة جمال الذات ، وحسن الصفات ، كما ورد في القرآن الكريم : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) (١) ،
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٣.