وأما الثانية فلقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩) [العنكبوت : ٦٩] وحسبك به وعدا يقتضي هداية من جاهد في الله.
السابع : أن أشعار أبي طالب في ديوانه تنادي بإيمانه ، كقوله في مدح النبي صلىاللهعليهوسلم :
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
إن اقتضى سياقه أنه مدح فيه ولا أحقق ذلك والظاهر خلافه ، وليس هذا بالمقصود ، إنما المقصود مثل قوله :
ولقد علمت بأن دين محمد |
|
من خير أديان البرية دينا |
وفى رواية :
وعرضت دينا لا محالة أنه |
|
من خير أديان البرية دينا |
وقوله :
فاصدع بأمرك ما عليك خصاصة |
|
وافرح وقر بذاك منك عيونا |
فهذا مدح لدينه وتصديق له ، وأمر له بإظهاره والصدع به ، ولا إيمان فوق ذلك ، وأشعاره في المعنى كثيرة لم نستحضرها. فهذا ما نحفظه ونستحضره الآن من حجج الأخرى يطول فلنقتصر / [١٥٦ أ / م].
وقد رأيت لبعض الشيعة كتابا مستقلا في إسلام أبي طالب ، والذي ذكرته لهم جل ما فيه ـ إن لم يكن كله ـ فاعلم ذلك.
ثم إن قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٥٦) [القصص : ٥٦] يحتج بها الجمهور في أن الهداية إلى الله ـ عزوجل ـ فكذا الضلال مقابل لها هو بقدره خلافا للمعتزلة.
(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٥٩) [القصص : ٥٩] سبق نظيرها في الأنعام وهود.
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٨) [القصص : ٦٨] يحتج به على أن الصانع فاعل بالاختيار لا الإيجاب ، خلافا للفلاسفة ، وعلى رأي الجبرية في أن لا اختيار للعبد في فعله ، بل هو مجبر لا مخير ،