القول في سورة إبراهيم
(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١) [إبراهيم : ١] فيها تعليل إنزال الكتاب بإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ويحتج به على تعليل الأحكام الإلهية بالحكم والمقاصد.
(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) [إبراهيم : ١] إشارة إلى أن لا خارج عن ظلمة الضلال إلا بإذنه ـ عزوجل ـ ويحتج به على القدرية في أن إذن الله ـ عزوجل ـ وإرادته مدار الضلال والهدى وجودا وعدما.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤) [إبراهيم : ٤] يستدل به على أن اللغات اصطلاحية ؛ إذ لو كانت توقيفية لكان التوقيف على لسان الرسول ؛ فيحتاج إلى توقيف آخر ، ويلزم التسلسل ، وإذا كانت اصطلاحية لم يلزم ذلك ، وانقطع التسلسل بالاصطلاح.
(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) [إبراهيم : ٤] يحتج به الجمهور على أن الله ـ عزوجل ـ هو الهادي المضل ، وأن مدار ذلك على مشيئته.
(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (١٠) [إبراهيم : ١٠] هذا تنبيه من الرسل على الاستدلال على وجود الصانع بوجود العالم ، وهو استدلال على المؤثر بأثره ، وعلى اللازم بوجود ملزومه. وتقريره : أن السماوات والأرض أثر وفعل ؛ فلا بد لهما من مؤثر وفاعل ، والمؤثر في وجودهما غيرهما قطعا ، وهو الله ـ عزوجل ـ ثم إن معرفة الرسل بوجود الصانع هل هي نظرية / [٢٤٤ / ل] بهذا الطريق ونحوه كإبراهيم في استدلاله بأفول الكواكب على ما مر ، أو بطريق الكشف / [١١٣ ب / م] والعيان تخصيصا من الله ـ عزوجل ـ لهم بذلك؟ هو محل نظر ، والأشبه أنه ـ عزوجل ـ درجهم إلى معرفته بالنظر والاستدلال أولا ، ثم بالكشف والعيان آخرا حتى تمت المعرفة كما نظر إبراهيم ـ عليهالسلام في أحوال الكواكب أولا ، ثم سأل طمأنينة القلب بالكشف العياني ثانيا ،