القول في سورة الحديد
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) [الحديد : ١] هو ونظائره كقوله عزوجل : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤) [الإسراء : ٤٤] ، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٤١) [النور : ٤١] ، (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢) [الحديد : ٢] إسناد للإحياء والإماتة إلى القدرة ، وأما توجيهه عقلا ، فإن الروح عالم لطيف يقال : إن الملائكة لا ترى الروح كما أنّا نحن لا نرى الملائكة ، فذلك العالم اللطيف إذا شابك هذا العالم الجسماني الكثيف حركه وصرفه فعد حيا ، وإذا فارقه عد ميتا ، وإذا لم يحله ابتداء سمي مواتا ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) [الإسراء : ٨٥].
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣) [الحديد : ٣] أي هو الأزلي الأبدي ، فالأول هو الذي لم يسبق وجوده عدمه ، والآخر من لم يلحق وجوده عدمه.
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣) [الحديد : ٣] هو عند الجمهور ظاهر آثاره الدالة عليه ، باطن بذاته إذ لا يصل الحسن ولا الوهم إليه ، وعند الاتحادية هو باطن ظاهر بحسب الأطوار والمظاهر ، فإذا تطور ظهر ، وإذا لم يتطور بطن ، أو هو ظاهر بحسب تحريكه للعالم ، باطن بحسب سريانه في الوجود سريان الماء في العود.
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣) [الحديد : ٣] استدل به الجمهور على أن ظهوره / [٤١٢ / ل] وبطونه بحسب آثاره وعلمه.
والاتحادية على أنهما بحسب ذاته السارية في العالم ، ولذلك علم كل شيء لتخلله الأشياء بذاته ، وهكذا الخلاف في قوله ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها