القول في سورة عمّ
(وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) (١٧) [النبأ : ١٤ ـ ١٧] هذا إثبات للبعث ، ودليله ما قبله من إحياء الأرض بالمطر.
(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) (١٩) [النبأ : ١٩] دل على ما سبق من قبولها للخرق.
(لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) (٢٣) [النبأ : ٢٣] يحتج به من يرى أن عذاب أهل النار منقطع ؛ لأن الأحقاب جمع قلة وأكثره عشرة ، / [٤٤١ / ل] والحقب ثمانون سنة فمجموعها ثمان مائة سنة ، وهب أنها من سني الآخرة كل يوم منها بألف سنة أو سبعين ألف سنة كما قيل ، فهي متناهية على كل حال.
وجوابه من وجهين : أحدهما أنه ليس المراد حصر لبثهم في أحقاب ، بل يلبثون أحقابا طعامهم الحميم والغساق لا برد ولا شراب ، ثم ينقلون إلى حالة أخرى من العذاب كذلك أبدا.
الثاني : أن الأحقاب بمعنى الحق جمع كثرة ، ولكنه وضع جمع القلة موضع الكثرة ؛ تنبيها على أن القليل المنقطع من عذاب النار جدير بأن يكون سببا للإيمان والازدجار.
(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) (٢٧) [النبأ : ٢٧] أي لا يخافونه ، وهو حجة على أن الكفار يحاسبون ، وقد سبقت المسألة في «الحاقة».
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٣٨) [النبأ : ٣٨] قيل : الروح صنف من الملائكة يخفون عن الملائكة كما يخفى الملائكة عن البشر ، وقيل : الروح ملك عظيم يقوم وحده صفّا والملائكة صف.
(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) (٣٩) [النبأ : ٣٩] مثل (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١٩) [المزمل : ١٩] وقد سبق.
(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠) [النبأ : ٤٠] قد سبق أن القرب معنى إضافي لكنه لا بد واقع.
* * *