والذل هو اللين ، فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الانسان نفسه مع أبويه في خير ذلة ، في أقواله وسكناته ونظراته ، ولا يحد اليهما النظر.
وقوله تعالى (مِنَ الرَّحْمَةِ) لبيان الجنس ، أي ان هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس ، لا بأن يكون ذلك استعمالا ، ثم أمر تعالى عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم ، فيقول للانسان إنه يجب عليك أن ترحمهما كما رحماك ، وترفق بهما كما رفقا بك ، اذ تولياك صغيرا جاهلا محتاجا ، فآثراك على أنفسهما ، وأسهرا ليلهما ، وجاعا واشبعاك ، وتعريا وكسواك ، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحدّ الذي كنت فيه من الصغر ، فتتولى منهما ما توليا منك ، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم.
وأرشد القرآن الى أن علاقة الزوج بزوجته ينبغي أن تنهض على المحبة والرحمة. فقال في سورة الروم : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). والرحمة بين الزوجين تتطلب المعاشرة بالمعروف ، واحتمال الهفوة وصنع الجميل.
وكذلك وصف القرآن الكريم أتباع محمد عليه الصلاة والسّلام ، الذين استجابوا له وساروا معه ، بأنهم رحماء فيما بينهم ، فقال في سورة محمد : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، وأشار إلى مثل هذا حين قال في سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ).
وجعل القرآن من صفات المؤمنين أن يوصي بعضهم بعضا برحمة الضعيف والتعطف عليه ، فقال في سورة البلد : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ). وحذر من الافساد في الأرض وجعله قرينا لتضييع معاني الرحمة من النفوس ، فقال في سورة محمد : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) وتقطيع الأرحام كناية عن ترك