طريق الرضى السليم فيقول : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ).
ولا عجب في ذلك فالرضى بالله هو الغنى ، ولذلك سئل أبو حازم الصوفي المدني : ما مالك؟ فقال مالي الرضى عن الله والغنى عن الناس. ولقد نظر أحد الشعراء الى هذا المعنى حين قال :
للناس مال ، ولي مالان ، مالهما |
|
إذا تحارس أهل المال أحراس |
مالي الرضى بالذي أصبحت أملكه |
|
ومالي اليأس مما يملك الناس |
* * *
ولقد أكثر السلف وبخاصة الصوفية القول في تعريف الرضى ، فقال عنه ابن عطاء : الرضى سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به. وقال الجنيد : الرضى هو صحة العلم الواصل الى القلب ، فإذا باشر القلب حقيقة العلم أداه إلى الرضى. وقيل : إن الرضى هو نهاية التوكل. وقيل : الرضى ارتفاع الجزع في أي حال كان. وقيل : الرضى استقبال الأحكام بالفرح. وقيل : الرضى سكون القلب تحت مجاري الأحكام.
والرضى بالله يستلزم أن يكون الله عزوجل أحبّ شيء إلى العبد ، وأن تسبق محبته الى القلب كلّ محبة ، وأن تقهر محبته كل محبة ، وأن تكون محبة غيره تابعة لمحبته ، فيكون هو المحبوب بالأصل والذات ، وغيره محبوبا تبعا لحبّه كما يطاع تبعا لطاعته ، فهو في الحقيقة المطاع المحبوب.
ولكي يرضى الانسان بالله لا بد له من أن يعرف الله ، ولذلك قال الفضيل : «أحق الناس بالرضى عن الله أهل المعرفة بالله عزوجل». وقال أحمد بن أبي الحواري : «من عرف الله آثر رضاه». وهذا هو الإمام عبد الرحمن بن الجوزي في كتابه «صيد الخاطر» يحدثنا عن أن الرضى بالله ثمرة من ثمرات المعرفة فيقول : «إن الرضى من جملة ثمرات المعرفة ، فإذا عرفته رضيت بقضائه» ، اخلاق القرآن ـ (٥)