بقلب مخلص طاهر من آفات القلوب ومن علائق الشهوة ، فجعله خالصا لله وحده.
ولنلاحظ هنا أن كلمة «حنيفا» لا تكاد تذكر في القرآن حتى يرد معها نفي الشرك ، وكأن القرآن يريد ان يذكرنا مرة بعد مرة أن التحنف والاشراك لا يجتمعان ، ومن هنا نكرر كما رأينا قوله تعالى : (حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في شأن ابراهيم جد نبينا عليهما الصلاة والسّلام ، ولذلك لم يكن عجيبا أن يقول التنزيل المجيد : (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). لان معنى ذلك ـ كما يقول القشيري : اذا تجاذبتك الفرق والاهواء ، فأعرض عن هؤلاء ، وأقبل علينا ، وزد في توجهك الينا ، جاريا على منهاج الخليل ، الذي ترك قومه وأباه ، وأقبل على خالقه ومولاه ، غير معرج على شيء فيه نصيب للنفس ، فقد سلم ماله ونفسه وولده ، وما كان له جملة الى حكم الله وانتظار أمره.
وبمقتضى هذا المثل الاعلى الذي ضربه ابراهيم في التحنف والاستقامة والاخلاص في الطاعة رأينا القرآن الكريم يدعو عباده المؤمنين الى الاستمساك بمثل هذا الاخلاص ، لأنه لب الاسلام ، ولأن الاستقامة على الطاعة هي صبغة المسلمين المخلصين ، فقال القرآن الكريم في ختام سورة الحج : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ، هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ، وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (١).
ومما يدل على ان «التحنف» وثيق الارتباط بالفطرة اننا نجد في
__________________
(١) سورة الحج ، الآيتان ٧٧ و ٧٨.