وحدثنا القرآن بأن الوفاء صفة المؤمنين الاخيار الابرار ، فقال في سورة آل عمران : (بلى من أوفى بعهده واتقى فان الله يحب المتقين) (١). وقال في سورة الرعد : (انما يتذكر أولوا الالباب ، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) (٢). وقال في سورة الفتح : (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فانما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) (٣). والوفاء بالعهد في أمثال هذه الآيات الكريمة يشمل الوفاء بمختلف أنواع العهد بين الناس ، سواء أكان عهدا ماديا أو معنويا ، حالّا أو مؤجلا ، ويشمل كذلك الوفاء بعهد الله تبارك وتعالى ، ولذلك جاء في «تفسير المنار» هذه العبارة : «العهد ما تلتزم الوفاء به لغيرك ، فاذا اتفق اثنان على أن يقوم كل منهما للآخر بشيء مقابلة ومجازاة يقال انهما تعاهدا ، ويقال : عاهد فلانا فلان عهدا ، فيدخل فيه العقود المؤجلة والامانات ، فمن ائتمنك على شيء ، أو أقرضك مالا الى أجل ، أو باعك بثمن مؤجل ، وجب عليك الوفاء بالعهد ، وأداء حقه اليه في وقته ، من غير أن تلجئه الى التقاضي والالحاح في الطلب ، بذلك تقضي الفطرة وتحتمه الشريعة ، وهذا مثال العهد مع الناس». ثم قال : «ويدخل في الاطلاق عهد الله تعالى ، وهو ما يلتزم المؤمن الوفاء له به ، من اتباع دينه ، والعمل بما شرعه على لسان رسوله ، وعهد للناس العمل به».
والقرآن يخبرنا أن الوفاء ألوان وأنواع ، فهناك الوفاء بالعهد الذي يقول عنه : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا). وهناك الوفاء بالوعد الذي
__________________
(١) سورة آل عمران ، الاية ٧٦.
(٢) سورة الرعد ، الآية ٢٠.
(٣) سورة الفتح ، الآية ١٠.