الجيري : «التفويض رد ما جهلت علمه الى عالمه ، والتفويض مقدمة الرضا ، والرضا باب الله الأعظم» ، ومن توكل على الله ورضي به ربا وهاديا ، رضي الله عنه ، والتنزيل المجيد يقول : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ).
والتوكل الحقيقي الصادق يجعل كل ما يسوقه الله الى عبده طيبا وطاهرا وكريما ، ولذلك يقول ابن سالم البصري : «التوكل على الله فريضة ، لقوله تعالى (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، والحركة في طلب الرزق مباح لمن عجز عن التوكل ، فان الله تعالى يقول (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) ، مما يفتح بالطلب والكسب منه طيب وخبيث ، وما يفتح بالتوكل لا يكون الا طيبا ، لان ذلك من معدن طيب».
والله جل جلاله هو خير من يعتمد عليه ، ويوكل اليه ، ويستمد منه ، ويستعان به ، وكذلك ورد قول القرآن : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) ثلاث مرات في سورة النساء ، كما ورد في سورة آل عمران : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). وجاء في سورة الاسراء : (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً).
والتوكل الحقيقي الصادق هو أسطع برهان على تحقيق عقيدة التوحيد في قلب المتوكل وعقله ، ولذلك كان التوكل ـ كما يصور رشيد رضا ـ أعلى مقامات التوحيد ، فالمؤمن الموحد الكامل لا يتوكل على مخلوق مربوب لخالقه مثله ، بل مشهده في المخلوقات أنها أسباب سخر الله تعالى بعضها لبعض في نظام التقدير العام ، الذي أقام الله به أمور العالم المختار منها وغير المختار ، فكلها سواء في الخضوع لسننه في الأسباب والمسببات ، وهي فيما وراء تسخيره اياها متساوية في عجزها عن