النفع والضر ، فشأن المؤمن المتوكل في دائرة الأسباب ، أن يطلب كل شيء عن طريق سببه ، خضوعا لسنن الله تعالى في نظام خلقه ، وهو بذلك يطلبها من حيث أمره الله أن يطلبها أمرا تكوينيا قدريا ، وتشريعا تكليفيا ، فاذا جهل الأسباب ، أو عجز عنها ، وكل أمره فيها الى ربه تبارك وتعالى ، داعيا اياه أن يعلمه ما جهل ، بما سنه من وسائل العلم ، ومنها الالهام في بعض الأحيان ، وأن يسخر له ما عجز عنه من جماد أو حيوان أو انسان.
ومن هنا نستطيع أن ندرك أن التوكل في جوهره عمل من أعمال القلب ، وليس قولا باللسان أو عملا بالجوارح فحسب ، فبداية التوكل هي الايمان ، وعماده هو اليقين ، ولذلك جعل القرآن الكريم فضيلة التوكل صفة أساسية للمؤمنين ، فقال في سورة الأنفال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). وقال في سورة النحل عن الشيطان : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). وقال في سورة العنكبوت : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). وقال في سورة الشورى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
*
ومن جلال المكانة لفضيلة التوكل أن نرى الحق جل جلاله يأمر بها خاتم رسله صلّى الله عليه وعليهم وسلم ، ويكرر هذا الأمر ويؤكده في مواضع كثيرة من كتابه المجيد ، فيقول له في سورة النساء : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً). ويقول في سورة هود : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ