وهناك أشياء يحبها الناس ، ولا يعاب عليهم أن يتناولوها في اعتدال واستقامة ، وبطريق سليم شريف ، ولكن منهم من ينحرف في حبها ، فلا يسلم من المؤاخذة والحساب ، والى هذه الأشياء يشير القرآن الكريم في قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١).
و «المحبة» التي تعد خلقا من أخلاق القرآن المجيد هي تلك الصفة الكريمة التي تجعل صاحبها متفتح القلب والعقل لتمجيد ما يستحق التمجيد ، وتأييد ما يستحق التأييد ، وفي قمة درجات هذه الصفة تأتي محبة الله تعالى ، ثم محبة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ثم محبة المؤمنين المستقيمين من عباده ، ثم محبة كل ما هو جميل طهور ، ولذلك يقول الحديث الشريف : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الايمان : أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه الا الله ، وأن يكره أن يعود الى الكفر كما يكره أن يقذف في النار».
وانما تستقيم هذه المحبة اذا كانت بغير غرض أو مرض ، وكانت خالصة لوجه الله عزوجل ، لأن ما كان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل ، ومن هنا نفهم قول الرسول : «من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الايمان». وقوله : «أفضل الأعمال الحب في الله ، والبغض في الله». أي يجعل حبّه للشيء متفقا مع رضا الله تعالى عن ذلك الشيء ، ويبغض الشيء الذي يبغضه الله سبحانه ولا يحبه.
* * *
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٤.