والتحلي الكامل بصفة «المحبة» الصادقة على الوجه الذي تقدم لا يتحقق للانسان الا بتوفيق من الله وعون ، ولقد سئل معروف الكرخي عن المحبة ، فقال : «المحبة ليست من تعليم الخلق ، انما هي من مواهب الحق وفضله» ، ولعلنا نزداد ايمانا بهذا حين نتذكر الحديث القائل : «الأرواح جنود مجنّدة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف». كما أن نيل المرء محبة الناس على وجهها السليم يحتاج الى مثل هذا العون ، فان الله تعالى يقول لموسى عليهالسلام : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ، وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (١). فالله هو الذي ألقى المحبة على موسى عليهالسلام.
ومحبة الله تعالى لعباده هي كنز الكنوز ، والقرآن يشير الى هذه المحبة في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ، ذلِكَ فَضْلُ اللهِ ، يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢).
ومحبة الله تعالى لعبده هي رضاه عنه ، وانعامه عليه ، ومحبة العبد لله هي طلب الزلفى اليه ، وقصر العبادة عليه ، مع دوام حمده وشكره وتمجيده.
ولقد عرض علينا كتاب الله صفات أولئك الذين يحبهم ربهم ، فاذا هم يتحلون بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات ، من الاحسان ، والتوبة ، والتطهر ، والتقوى ، والصبر ، والتوكل ، والعدل ، والجهاد ، ولذلك جاءت في كتاب ربنا جل جلاله هذه الآيات : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ،
__________________
(١) سورة طه ، الآية ٣٩.
(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٤.