تلك الطاعة المطلقة لله تعالى ، بلا تردد ولا توقف ، فابراهيم حينما رأى في المنام أنه يذبح ابنه ، وتأكد لديه أن هذه الرؤيا من الله تعالى ، ورؤيا الأنبياء حق ، سارع بتنفيذ الرؤيا ، ونسي في طاعة الله معاني الأبوة والبنوة ، وأحضر ولده ، وعرض عليه الأمر ، فكان على نهج أبيه ، فكان كل منهما محسنا ، ولذلك أثابهما الله تعالى بما أثابهما به ، وقال : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
واذا كنا قد عرفنا أن «الاحسان» فضيلة تطوي بين جناحيها فضائل ، فانه من السهل أن نتقبل قول العلماء : ان الاحسان يقال على وجهين : أحدهما الانعام على الغير ، فيقال : أحسن فلان الى فلان ، اذا أكرمه وأنعم عليه ، والثاني في الفعل ، كأن يعلم علما حسنا ، وأن يعمل عملا حسنا ، ومن هذا القبيل قول الامام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه : «الناس أبناء ما يحسنون» ، أي منسوبون الى ما يعملونه من الأعمال الحسنة.
وقد ورد ذكر «الاحسان» بمعنى الزيادة عن الواجب ، والتفضل بما ليس مفروضا. ومن أمثلة ذلك قول الله عز من قائل في سورة آل عمران : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ، وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، فكظم الغيظ هو كتمانه بشيء من المقاومة والمغالبة والمجاهدة ، والعفو هو الصفح وعدم مقابلة الاساءة بمثلها ، والاحسان هو الزيادة عن الكظم والعفو ، بأن يحسن الانسان الى من أساء اليه ، ولا يكتفي معه بالعفو ، بل يتفضل عليه بالاحسان وصنع الجميل.
ومن أمثلة ذلك أيضا قول الله تعالى أيضا : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ...) فالعدل هو أن يعطي الانسان ما عليه ، ويأخذ حقه.