وهكذا نجد التنزيل الالهي كأنه يريد لنا أن نفهم أن «التوبة» سمة اساسية من سمات الاخيار المؤمنين بالله منذ أقدم العصور.
* * *
وليست التوبة كلمة تقال ، أو عبارة تردد ، ولكنها تتحقق بعدة أمور : منها أن يشعر الانسان بالندم على ارتكاب الخطأ أو الذنب ، ومن هنا جاء في الحديث : «الندم توبة». وان يترك المعصية ويبتعد عنها ، وان يعزم على عدم الرجوع اليها ، وان ينتقل من مجال الخطأ الى حقل العمل الصالح ، حتى يكون بعد التوبة أفضل مما كان عليه قبلها ، والا ينوي الاصرار على أي ذنب مهما كان صغيرا ، لان الله تبارك وتعالى يقول في سورة آل عمران : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١).
ومن شروط التوبة الخروج من عهدة حق الآدمي ، اما باعادة التائب هذا الحق الى صاحبه ، اذا كانت هناك قدرة على الاعادة ، واما باستحلال صاحب الحق بعد اعلامه به ، والحديث يقول : «من كان لأخيه عنده مظلمة من مال او عرض ، فليتحلله اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ، الا الحسنات والسيئات». والراجح عند العلماء أنه لا يشترط على التائب أن يذكر كل شيء لصاحب الحق ، بل يكفي التعميم ، وقد بحثوا ـ فيما بحثوا ـ موضوع التوبة من الغيبة والقذف : هل يشترط ان يذهب التائب الى من اغتابه أو قذفه ، ويذكر له ذلك ليستسمحه؟. واختلفوا في ذلك ، والامام ابن تيمية يرجح عدم الذكر ، وهذا تلميذه ابن القيم يقول في ذلك ـ بعد أن ذكر رأي من يرى
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٣٥.