بل ربما سره ذلك وفرح به ، بخلاف اعلامه بما مزق به عرضه طول عمره ليلا ونهارا من أنواع القذف والغيبة والهجو ، فاعتبار أحدهما بالآخر اعتبار فاسد ، وهذا هو الصحيح في القولين كما رأيت ، والله أعلم».
* * *
وقد أوجز الاصفهاني الشروط التي يلزم توافرها في صحة التوبة ، فذكر أنها ترك الذنب لقبحه ، والندم على ما فرط منه ، والعزيمة على ترك المعاودة ، وتدارك ما أمكنه ان يتدارك من الاعمال بالاعادة ، فمتى اجتمعت هذه الاربع فقد كملت شروط التوبة في الشرع ، ويبدو أن هذا هو المراد من «التوبة النصوح» التي ذكرها القرآن الكريم في سورة التحريم حيث قال : (يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، يقولون ربنا أتمم) [١].
وكلمة «النصوح» مأخوذة من مادة «النصح» التي تفيد معنى خلاص الشيء من الغش والشوائب الغريبة ، وذلك لان التوبة النصوح انما تتم بتخليصها من كل غش ونقص وفساد ، وبتحقيقها على أكمل الوجوه ، بأن تكون شاملة لكل الذنوب صغيرها وكبيرها ، فلا يتوب من ذنب ويترك ذنبا آخر ، وأن يعزم عليها ويبادر اليها بارادته دون تردد.
وان يجعلها خالصة لوجه الله سبحانه ، لا لغرض ولا لمرض ولا لعلة.
وقد وردت كلمات بليغة في وصف هذه التوبة ، فقال فيها عمر رضي الله عنه : «هي أن يتوب من الذنب ثم لا يعود اليه ، كما لا يعود
__________________
(١) سورة التحريم ، الآية ٨.