فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)(٤١)
قوله ـ سبحانه ـ : (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) حكاية لما رد الله ـ تعالى ـ به على نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ بعد أن تضرع إليه بتلك الدعوات النافعات.
والسؤال هنا بمعنى المسئول ، كالأكل بمعنى المأكول.
قال الآلوسى : «والإيتاء : عبارة عن تعلق إرادته ـ تعالى ـ بوقوع تلك المطالب وحصولها له ـ عليهالسلام ـ ألبتة ، وتقديره ـ تعالى ـ إياها حتما ، فكلها حاصلة له ـ عليهالسلام ـ وإن كان وقوع بعضها بالفعل مرتبا بعد ، كتيسير الأمر ، وشد الأزر .. (١).
أى : قال الله ـ تعالى ـ لموسى بعد أن ابتهل إليه ـ سبحانه ـ بما ابتهل : لقد أجبنا دعاءك يا موسى ، وأعطيناك ما سألتنا إياه ، فطب نفسا وقر عينا.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) تذكير منه ـ سبحانه ـ لموسى ، بجانب من النعم التي أنعم بها عليه ، حتى يزداد ثباتا وثقة بوعد الله ـ تعالى ـ ولذا صدرت الجملة بالقسم.
أى : وبعزتي وجلالي لقد مننا عليك ، وأحسنا إليك (مَرَّةً أُخْرى) قبل ذلك ، ومنحناك من رعايتنا قبل أن تلتمس منا أن نشرح لك صدرك ، وأن نيسر لك أمرك ...
ثم فصل ـ سبحانه ـ هذه المنن التي امتن بها على عبده موسى ، فذكر ثمانية منها : أما أول هذا المنن فتتمثل في قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى).
و (إِذْ) ظرف لقوله (مَنَنَّا) والإيحاء : الإعلام في خفاء .. وإيحاء الله ـ تعالى ـ إلى أم موسى كان عن طريق الإلهام أو المنام أو غيرهما.
قال صاحب الكشاف : «الوحى إلى أم موسى : إما أن يكون على لسان نبي في وقتها ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أو يبعث إليها ملكا لا على وجه النبوة كما بعث إلى مريم. أو يريها ذلك في المنام فتتنبه عليه أو يلهمها كقوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١٨٦.