أى : أوحينا إليها أمرا لا سبيل إلى التوصل إليه ، ولا إلى العلم به ، إلا بالوحي (١).
والمعنى : ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى ، وقت أن أوحينا إلى أمك بما أوحينا من أمر عظيم الشأن ، يتعلق بنجاتك من بطش فرعون.
فالتعبير بالموصول في قوله : (ما يُوحى) للتعظيم والتهويل ، كما في قوله ـ تعالى ـ (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى).
ثم وضح ـ سبحانه ـ ما أوحاه إلى أم موسى فقال : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ، يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ..).
و (أَنِ) في قوله (أَنِ اقْذِفِيهِ) مفسرة ، لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه.
والمراد بالقذف هنا : الوضع ، والمراد به في قوله (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ) الإلقاء في البحر وهو نيل مصر.
والتابوت : الصندوق الذي يوضع فيه الشيء.
والمعنى : لقد كان من رعايتنا لك يا موسى أن أوحينا إلى أمك عند ما خافت عليك القتل : أن ضعى ابنك في التابوت ، ثم بعد ذلك اقذفيه بالتابوت في البحر ، ويأمرنا وقدرتنا يلقى اليم بالتابوت على شاطئ البحر وساحله ، وفي هذه الحالة يأخذه عدو لي وعدو له ، وهو فرعون الذي طغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى.
والضمائر كلها تعود إلى موسى ـ عليهالسلام ـ وقيل إن الضمير في قوله (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ).
وفي قوله (فَلْيُلْقِهِ) يعود إلى التابوت ، والأول أرجح ، لأن تفريق الضمائر هنا لا داعي له ، بل الذي يقتضيه بلاغة القرآن الكريم ، عودة الضمائر إلى موسى ـ عليهالسلام ـ قال بعض العلماء : وصيغة الأمر في قوله (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) فيها وجهان معروفان عند العلماء.
أحدهما : أن صيغة الأمر معناها الخير : قال أبو حيان في البحر : وقوله (فَلْيُلْقِهِ) أمر معناه الخبر ، وجاء بصيغة الأمر مبالغة ، إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها.
الثاني : أن صيغة الأمر في قوله (فَلْيُلْقِهِ) أريد بها الأمر الكونى القدري كقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فالبحر لا بد أن يلقيه بالساحل ، لأن الله
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٢.