الشيء بعينه إذا اعتنى به ، وتقول للصانع ؛ اصنع هذا على عيني إنى أنظر إليك لئلا تخالف به عن مرادى وبغيتي.
وقوله : (وَلِتُصْنَعَ) معطوف على علة مضمرة مثل : ليتعطف عليك .. أو حذف معلله أى : ولتصنع على عيني فعلت ذلك (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ المنة الرابعة على موسى فقال : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ ، فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ...).
وكان ذلك بعد أن التقط آل فرعون موسى من فوق الشاطئ ، وبعد أن امتنع عن الرضاعة من أى امرأة سوى أمه.
أى : وكان من مظاهر إلقاء محبتي عليك ، ورعايتى لك ، أن أختك بعد أن أمرتها أمك بمعرفة خبرك ، سارت في طرقات مصر فأبصرتك في بيت فرعون وأنت تمتنع عن الرضاعة من أى امرأة ، فقالت أختك لفعون وامرأته (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ).
أى : ألا تريدون أن أرشدكم إلى امرأة يقبل هذا الطفل الرضاعة منها ، وتحفظه وترعاه ، والفاء في قوله : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) هي الفصيحة. أى : التي تفصح عن كلام مقدر.
والمعنى : بعد أن قالت أختك لفرعون وامرأته : هل أدلكم على من يكفله. أجابوها بقولهم : دلينا عليها ، فجاءت بأمك فرجعناك إليها كي تسر برجوعك ، ويمتلئ قلبها فرحا بلقائها بك بعد أن ألقتك في اليم ، ولا تحزن بسبب فراقك عنها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ المنة الخامسة فقال : (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) وكان ذلك عند ما استنصر به رجل من قومه على رجل من أعدائه.
أى : وقتلت نفسا هي نفس القبطي ، عند ما استعان بك عليه الإسرائيلى فنجيناك من الغم الذي نزل بك بسبب هذا القتل.
قال الآلوسى : وقد حل له هذا الغم من وجهين : خوف عقاب الله ـ تعالى ـ حيث لم يقع القتل بأمره ـ سبحانه ـ وخوف القصاص ، وقد نجاه الله من ذلك بالمغفرة حين قال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) وبالمهاجرة إلى مدين.
والغم في الأصل : ستر الشيء ، ومنه الغمام لستره ضوء الشمس. ويقال : لما يغم القلب بسبب خوف أو فوات مقصود .. (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١٩٣.