وهو بمصر أن يتلقى موسى ـ عليهالسلام ـ وقيل : سمع بإقباله فتلقاه .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) إرشاد منه ـ سبحانه ـ إلى الطريقة التي ينبغي لهما أن يسلكاها في مخاطبة فرعون.
أى : اذهبا إليه ، وادعواه إلى ترك ما هو فيه من كفر وطغيان ، وخاطباه بالقول اللين ، وبالكلام الرقيق. فإن الكلام السهل اللطيف من شأنه أن يكسر حدة الغضب ، وأن يوقظ القلب للتذكر ، وأن يحمله على الخشية من سوء عاقبة الكفر والطغيان.
وهذا القول اللين الذي أمرهما الله ـ تعالى ـ به هنا قد جاء ما يفسره في آيات أخرى ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى. فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى ، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى ..).
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على ألطف أساليب المخاطبة وأرقها وألينها وأحكمها.
قال ابن كثير : قوله (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ...) هذه الآية فيها عبرة عظيمة ، وهي أن فرعون كان في غاية العتو والاستكبار ، وموسى كان صفوة الله من خلقه إذ ذاك ، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الوقاشى عند قراءته لهذه الآية : يا من يتحبب إلى من يعاديه ، فكيف بمن يتولاه ويناديه؟.
والحاصل أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل ، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع ، كما قال ـ تعالى ـ : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..) (٢).
والترجي في قوله ـ تعالى ـ : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) على بابه إلا أنه يعود إلى موسى وهارون.
أى : اذهبا إليه ، وإلينا له القول ، وباشرا الأمر معه مباشرة من يرجو ويطمع في نجاح سعيه ، وحسن نتيجة قوله.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : والترجي لهما أى : اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو أن يثمر عمله فهو يجتهد بطوقه ، ويحتشد ـ أى ـ يستعد ويتأهب ـ بأقصى وسعه ، وجدوى إرسالهما إليه مع العلم أنه لن يؤمن ، إلزام الحجة ،
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٩٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٢٨٨.