وقطع المعذرة ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (١).
ويرى بعضهم أن الترجي هنا للتعليل. أى : فقولا له قولا لينا لأجل أن يتذكر أو يخشى.
قال الآلوسى : قال الفراء : «لعل» هنا بمعنى كي التعليلية .. وعن الواقديّ : أن جميع ما في القرآن من «لعل» فإنها للتعليل ، إلا قوله ـ تعالى ـ (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) فإنها للتشبيه أى : كأنكم تخلدون (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله موسى وهارون عند ما أمرهما ـ جل جلاله ـ بذلك فقال : (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى).
أى : قال موسى وهارون بعد أن أمرهما ربهما بالذهاب إلى فرعون لتبليغه دعوة الحق : يا ربنا إننا نخاف (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أى يعاجلنا بالعقوبة قبل أن ننتهي من الحديث معه في الأمر.
يقال : فرط فلان على فلان يفرط إذا عاجله بالعقوبة وأذاه بدون تمهل ، ومنه قولهم : فرس فارط ، أى سابق لغيره من الخيل.
(أَوْ أَنْ يَطْغى) أى يزداد طغيانه ، فيقول في حقك يا ربنا مالا نريد أن نسمعه ، ويقول في حقنا ما نحن برءاء منه ، ويفعل معنا ما يؤذينا.
وقد جمع ـ سبحانه ـ بين القولين اللذين حكاهما عنهما ، لأن الطغيان أشمل من الإفراط ، إذ الجملة الأولى تدل على الإسراع بالأذى لأول وهلة ، أما الثانية فتشمل الإسراع بالأذى ، وتشمل غيره من ألوان الاعتداء سواء أكان في الحال أم في الاستقبال.
وهنا يجيبهما الخالق ـ جل وعلا ـ بما يثبت فؤداهما ، ويزيل خوفهما فقال : (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى).
أى : قال الله ـ تعالى ـ لهما لا تخافا من بطش فرعون ، إننى معكما بقوتي وقدرتي ورعايتى ، وإننى أسمع كلامكما وكلامه ، وأرى فعلكما وفعله. لا يخفى على شيء من حالكما وحاله ، فاطمئنا أننى معكما بحفظي ونصرى وتأييدى ، وأن هذا الطاغية ناصيته بيدي ، ولا يستطيع أن يتحرك أو يتنفس إلا بإذنى ...
ثم رسم لهما ـ سبحانه ـ طريق الدعوة فقال : (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ..).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١٩٥.