أى : فأتيا فرعون ، وادخلا عليه داره أو مكان سلطانه ، وقولا له بلا خوف أو وجل (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) الذي خلقك فسواك فعدلك.
وكان البدء بهذه الجملة لتوضيح أساس رسالتهما ، ولإحقاق الحق من أول الأمر ، ولإشعاره منذ اللحظة الأولى بأنهما قد أرسلهما ربه وربهما ورب العالمين ، لدعوته إلى الدين الحق ، وإلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار ، وإلى التخلي عن الكفر والطغيان. وأنهما لم يأتياه بدافع شخصى منهما وإنما أتياه بتكليف من ربه ورب العالمين.
أما الجملة الثانية التي أمرهما الله ـ تعالى ـ أن يقولاها لفرعون فقد حكاها ـ سبحانه ـ بقوله : (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) أى : فأطلق سراح بنى إسرائيل ، ودعهم يعيشون أحرارا في دولتك ولا تعذبهم باستعبادهم وقهرهم ، وقتل أبنائهم ، واستحياء نسائهم.
قال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ، يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (١).
قال الآلوسى : والمراد بالإرسال : إطلاقهم من الأسر ، وإخراجهم من تحت يده العادية ، لا تكليفهم أن يذهبوا معهما إلى الشام ، كما ينبئ عنه قوله ـ سبحانه ـ (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) أى : بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب ، فإنهم كانوا تحت سيطرة القبط ، يستخدمونهم في الأشغال الشاقة كالحفر والبناء .. (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) جملة ثالثة تدل على صدقهما في رسالتهما.
والمراد بالآية هنا : جنسها ، فتشمل العصا واليد وغيرهما من المعجزات التي أعطاها الله ـ تعالى ـ لنبيه موسى ـ عليهالسلام ـ.
أى : قد جئناك بمعجزة من ربك تثبت صدقنا ، وتؤيد مدعانا ، وتشهد بأنا قد أرسلنا الله ـ تعالى ـ إليك لهدايتك ودعوتك أنت وقومك إلى الدخول في الدين الحق.
فالجملة الكريمة تقرير لما تضمنه الكلام السابق من كونهما رسولين من رب العالمين ، وتعليل لوجوب إطلاق بنى إسرائيل ، وكف الأذى عنهم.
أما الجملة الرابعة التي أمرهما الله ـ تعالى ـ بأن يقولاها لفرعون فهي قوله ـ سبحانه ـ : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى).
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٤٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١٩٨.