الأصل في النبوة ، وهارون وزيره وتابعه ، ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته ـ أى فسقه ـ على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه ، لما عرف من فصاحة هارون والرّتة في لسان موسى ، ويدل عليه قوله : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) (١).
ولا شك أن ما حكاه الله ـ تعالى ـ عن فرعون من قوله (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) يدل على نهاية الغرور والفجور والجحود ، وشبيه بذلك قوله : ـ سبحانه ـ حكاية عنه : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ...) (٢)
وقوله ـ تعالى ـ : (فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن موسى قد رد على فرعون ردا يخرسه ويكبته فقال : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).
وقوله (خَلْقَهُ) مصدر بمعنى اسم المفعول ، وهو المفعول الثاني لقوله (أَعْطى) والمفعول الأول قوله : (كُلَّ شَيْءٍ).
وللعلماء في تفسير هذه الآية الكريمة اتجاهات يؤيد بعضها بعضا ، منها ما يراه بعضهم من أن معنى الآية الكريمة :
١ ـ قال موسى في رده على فرعون : يا فرعون ربنا وربك هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي أعطى كل مخلوق من مخلوقاته ، وكل شيء من الأشياء ، الصورة التي تلائمه ، والهيئة التي تتحقق معها منفعته ومصلحته ، ثم هداه إلى وظيفته التي خلقه من أجلها ، وأمده بالوسائل والملكات التي تحقق هذه الوظيفة.
وثم في قوله (ثُمَّ هَدى) للتراخي في الرتبة ، إذ اهتداء المخلوق إلى وظيفته مرتبة تعلو كثيرا عن خلقه دون أن يفقه شيئا.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : «أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان ، كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه.
(ثُمَّ هَدى) أى : عرفه كيف يرتفق بما أعطى ، وكيف يتوصل إليه ولله در هذا الجواب ، وما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ، ونظر بعين الإنصاف وكان طالبا للحق (٣).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٧.
(٢) سورة القصص الآية ٣٨.
(٣) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٧.