عنه قوله : ـ تعالى ـ بعد ذلك : (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى) أى : قال فرعون لموسى على سبيل التهديد والوعيد : يا موسى أجئتنا من المكان الذي هربت إليه ، ومعك هذه الآيات التي رأيناها ، لكي تخرجنا من أرضنا التي عشنا فيها وهي أرض مصر بسبب ما أظهرته أمامنا من سحر وخفة يد.
وسمى اللعين ما جاء به موسى ـ عليهالسلام ـ من معجزات سحرا ، ليزيل من أذهان قومه أثر هذه المعجزات الباهرة.
وقال : (لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا) ليحمل أتباعه على الوقوف في وجه موسى بإبراز أن موسى جاء ليحتل أرضهم ، ويجوز أموالهم ، ويجعل السلطان لغيرهم.
وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة منه قوله ـ تعالى ـ : (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ، وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) (٢).
ثم أضاف فرعون إلى تهديده لموسى تهديدا آخر فقال : (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ، فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً).
وقوله : (فَلَنَأْتِيَنَّكَ ...) جواب لقسم محذوف. أى : والله لنأتينك بسحر مثله ..
قال الجمل : وقوله : (مَوْعِداً) يجوز أن يكون زمانا ، ويرجحه قوله : (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ).
والمعنى : عين لنا وقت اجتماع : ولذلك أجابهم بقوله : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) ويجوز أن يكون مكانا ، والمعنى : بين لنا مكانا معلوما نعرفه نحن وأنت فنأتيه ، وهذا يؤيده قوله : (مَكاناً سُوىً).
ويجوز أن يكون مصدرا ، ويؤيد هذا قوله (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ) لأن المواعدة توصف بالخلف وعدمه (٣).
وقوله : (لا نُخْلِفُهُ) من الإخلاف بمعنى عدم إنجاز الوعد.
وقوله : (سُوىً) قرأه ابن عامر وعاصم وحمزة بضم السين ، وقرأه الباقون بالكسر ومعنى القراءتين واحد.
__________________
(١) سورة الشعراء الآيتان ٣٤ ، ٣٥.
(٢) سورة يونس الآية ٧٨.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٩٧.