جذوع النخل ، لتكونوا عبرة لغيركم ممن تسول له نفسه أن يفعل فعلكم.
فالمراد من قوله «من خلاف» أى : من الجهة المخالفة أو من الجانب بأن يقطع اليد اليمنى ومعها الرجل اليسرى ، لأن ذلك أشد على الإنسان من قطعهما من جهة واحدة إذ قطعهما من جهة واحدة يبقى عنده شيء كامل صحيح ، بخلاف قطعهما من جهتين مختلفتين فإنه إفساد للجانبين.
واختار أن يصلبهم في جذوع النخل ، لأن هذه الجذوع أخشن من غيرها والتصليب عليها أشق من التصليب على غيرها ، وأظهر للرائى لعلوها عن سواها. فهو لطغيانه وفجوره اختار أقسى ألوان العذاب ليصبها على هؤلاء المؤمنين.
قال الجمل : قوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يحتمل أن يكون حقيقة. وفي التفسير أنه نقر جذوع النخل حتى جوفها ووضعهم فيها فماتوا جوعا وعطشا.
ويحتمل أن يكون مجازا وله وجهان : أحدهما : أنه وضع حرفا مكان آخر ، والأصل على جذوع النخل ، والثاني : أنه شبه تمكنهم بتمكن من حواه الجذع واشتمل عليه.
وقال الكرخي «في» بمعنى «على» مجازا ، من حيث إنه شبه تمكن المصلوب بالجذع ، بتمكن المظروف في الظرف وهذا هو المشهور (١).
وقوله : (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) تهديد فوق تهديد ، ووعيد إثر وعيد.
أى : والله لتعلمن أيها السحرة أينا أشد تعذيبا لكم ، وأبقى في إنزال الهلاك بكم ، أنا أم موسى وربه.
وكأنه بهذا التهديد يريد أن يهون من كل عذاب سوى عذابه لهم ، ومن كل عقاب غير عقابه إياهم.
وهذا التهديد التي حكاه الله ـ تعالى ـ هنا ، قد جاء ما يشبهه في آيات أخرى منها قوله ـ تعالى ـ : (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ، إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ أن السحرة بعد أن استقر الإيمان في قلوبهم ، قد قابلوا تهديد فرعون لهم بالاستخفاف وعدم الاكتراث فقال : (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ ،
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٠١.
(٢) سورة الأعراف الآيتان ١٢٣ ، ١٢٤.