وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ..).
أى : قال السحرة في ردهم على تهديد فرعون لهم : لن نختارك يا فرعون ولن نرضى بأن نكون من حزبك ، ولن نقدم سلامتنا من عذابك .. على ما ظهر لنا من المعجزات التي جاءنا بها موسى ، والتي على رأسها عصاه التي ألقاها فإذا هي تبتلع حبالنا وعصينا.
وجملة «والذي فطرنا» الواو فيها للعطف على «ما» في قوله (ما جاءَنا).
أى : لن نختارك يا فرعون على الذي جاءنا من البينات على يد موسى ، ولا على الذي فطرنا أى ؛ خلقنا وأوجدنا في هذه الحياة.
ويصح أن تكون هذه الواو للقسم ، والموصول مقسم به ، وجواب القسم محذوف دل عليه ما قبله ، والمعنى : وحق الذي فطرنا لن نؤثرك يا فرعون على ما جاءنا من البينات.
وقوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) تصريح منهم بأن تهديده لهم لا وزن له عندهم ، ورد منهم على قوله : (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ).
أى : لن نقدم طاعتك على طاعة خالقنا بعد أن ظهر لنا الحق ، فافعل ما أنت فاعله ، ونفذ ما تريد تنفيذه في جوارحنا ، فهي وحدها التي تملكها ، أما قلوبنا فقد استقر الإيمان فيها ، ولا تملك شيئا من صرفها عما آمنت به.
قال بعض العلماء : واعلم أن العلماء اختلفوا : هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به ، أو لم يفعله بهم؟.
فقال قوم : قتلهم وصلبهم ، وقوم أنكروا ذلك ، وأظهر هما عندي : أنه لم يقتلهم ، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله ـ تعالى ـ لأن الله قال لموسى وهارون : (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) (١).
وقوله : (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) تعليل لعدم مبالاتهم بتهديده لهم.
أى : افعل يا فرعون ما أنت فاعله بأجسامنا ، فإن فعلك هذا إنما يتعلق بحياتنا في هذه الحياة الدنيا ، وهي سريعة الزوال ، وعذابها أهون من عذاب الآخرة.
(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا) وخالقنا ومالك أمرنا (لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) السالفة ، التي اقترفناها بسبب الكفر والإشراك به ـ سبحانه ـ.
(وَ) ليغفر لنا (ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) لكي نعارض به موسى ـ عليه
__________________
(١) تفسير أضواء البيان ج ٥ ص ٤٧٤. للشيخ الشنقيطى.