وقيل : السائلون هم المؤمنون على سبيل طلب المعرفة والفهم.
وقوله : (يَنْسِفُها) من النسف بمعنى القلع. يقال : نسفت الريح التراب نسفا ـ من باب ضرب ـ إذا اقتلعته وفرقته.
أى : ويسألك ـ أيها الرسول الكريم ـ بعض الناس عن أحوال الجبال يوم القيامة ، فقل لهم : ينسفها ربي نسفا ، بأن يقلعها من أصولها ، ثم يجعلها كالرمل المتناثر ، أو كالصوف المنفوش الذي تفرقه الرياح.
والفاء في قوله : (فَقُلْ) للمسارعة إلى إزالة ما في ذهن السائل من توهم أن الجبال قد تبقى يوم القيامة.
والضمير في قوله (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) يعود إلى الجبال باعتبار أجزائها السفلى الباقية بعد النسف ، ويصح أن يعود إلى الأرض المدلول عليها بقرينة الحال ، لأنها هي الباقية بعد قلع الجبال. والقاع : هو المنكشف من الأرض دون أن يكون عليه نبات أو بناء.
والصفصف : الأرض المستوية الملساء حتى لكأن أجزاءها صف واحد من كل جهة.
أى : فيتركها بعد النسف أرضا منكشفة متساوية ملساء ، لا نبات فيها ولا بناء ...
(لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) أى : لا ترى في الأرض بعد اقتلاع الجبال منها ، مكانا منخفضا ، كما لا ترى فيها (أَمْتاً) أى : مكانا مرتفعا ، بل تراها كلها مستوية ملساء كالصف الواحد.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قد فرقوا بين العوج والعوج ، فقالوا : العوج بالكسر في المعاني : والعوج بالفتح في الأعيان ، والأرض عين ، فكيف صح فيها المكسور العين؟.
قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفى الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون ، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها ، وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأى المهندس فيها ، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية ، لعثر فيها على عوج في غير موضع ، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسى ، فنفى الله ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك ، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة ، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني ، فقيل فيه ، عوج بالكسر والأمت : النتوء اليسير ، يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت .. (١)
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٨٨.