وقال سفيان بن عيينة ، عن أبى حازم ، عن أبى سلمه ، عن أبى سعيد في قوله (مَعِيشَةً ضَنْكاً) قال : يضيق عليه قبره. حتى تختلف أضلاعه (١).
والمراد بالعمى في قوله ـ سبحانه ـ : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) : عمى البصر ، بدليل قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً).
وقوله ـ سبحانه ـ في آية أخرى : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (٢).
وقيل : المراد بالعمى : هنا أنه لا حجة له يدافع بها عن نفسه ، وقيل : المراد به : العمى عن كل شيء سوى جهنم.
والذي يبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الحق ، لأنه هو الظاهر من الآية الكريمة ، ولا قرينة تمنع من إرادة هذا الظاهر.
ويجمع بين هذه الآية وما يشبهها وبين الآيات الأخرى التي تدل على أن الكفار يبصرون ويسمعون ويتكلمون يوم القيامة ، والتي منها قوله ـ تعالى ـ : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا ..).
أقول : يجمع بين هذه الآية وما يشبهها ، وبين الآيات الأخرى بوجوه منها : أن عماهم وصممهم في أول حشرهم ، ثم يرد الله ـ تعالى ـ عليهم بعد ذلك أبصارهم وسمعهم ، فيرون النار ، ويسمعون ما يحزنهم.
قال الجمل : قوله : (أَعْمى) حال من الهاء في نحشره ، والمراد عمى البصر وذلك في المحشر ، فإذا دخل النار زال عنه عماه ليرى محله وحاله ، فهو أعمى في حال وبصير في حال أخرى (٣).
ومنها : تنزيل سمعهم وبصرهم وكلامهم منزلة العدم لعدم انتفاعهم بذلك فقد قال ـ تعالى ـ في شأن المنافقين : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) بتنزيل سماعهم وكلامهم وإبصارهم منزلة العدم ، حيث إنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس.
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) استئناف مسوق لبيان ما يقوله ذلك المعرض عن طاعة الله يوم القيامة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢١٦.
(٢) سورة الإسراء آية ٩٧.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١١٦.