والكتب المتقدمة ، وذلك أعظم آية إذ أخبر بما فيها. وقيل : أو لم تأتهم الآية الدالة على نبوته بما وجدوه في الكتب المتقدمة من البشارة .. (١).
وعلى كلا التفسيرين فالآية الكريمة شهادة من الله ـ تعالى ـ بصدق النبي صلىاللهعليهوسلم فيما بلغه عنه ، ورد مبطل لشبهات الكافرين ولأقوالهم الباطلة ، وإن كان تفسير البينة هنا بالقرآن أظهر وأوضح.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) كلام مستأنف لتقرير ما قبله من أن القرآن الكريم هو معجزة المعجزات ، وآية الآيات وأرفعها وأنفعها.
أى : ولو أنا أهلكنا هؤلاء الكافرين بعذاب الاستئصال ، من قبل مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم ومعه هذا القرآن الكريم معجزة له ، لقالوا على سبيل الاعتذار يوم القيامة : يا ربنا هلا أرسلت إلينا في الدنيا رسولا من عندك ومعه المعجزات التي تدل على صدقه ، فكنا في هذه الحالة اتبعنا آياتك التي جاءنا بها وصدقناه وآمنا به ، من قبل أن يحصل لنا الذل والهوان والخزي والافتضاح في الآخرة.
والمقصود من الآية الكريمة قطع أعذارهم ، أى : لو أنا أهلكناهم قبل ذلك ، لقالوا ما قالوا ، ولكنا لم نهلكهم بل أرسلنا إليهم رسولنا ، فبلغهم ما أرسلناه به ، فانقطع عذرهم ، وبطلت حجتهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه الآية التي أمر فيها رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يهددهم بسوء العاقبة ، إذا ما استمروا في طغيانهم يعمهون ، فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الكافرين : كل واحد منا ومنكم متربص بالآخر ، ومنتظر لما يؤول إليه أمر صاحبه.
وما دام الأمر كذلك (فَتَرَبَّصُوا) وانتظروا ما يؤول إليه حالنا وحالكم (فَسَتَعْلَمُونَ) بعد زمن قريب. (مَنْ) هم (أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) أى : الطريق الواضح
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٣٦٤.
(٢) سورة القصص الآية ٤٧.