وأصل القصم : كسر الشيء حتى ينقطع وينفصل عن غيره ، يقال : قصم فلان ظهر فلان ، إذا كسره حتى النهاية ، بخلاف الفصم فهو صدع الشيء من غير قطع وانفصال.
قال القرطبي : «والقصم : الكسر ، يقال : قصمت ظهر فلان ، وانقصمت سنه ، إذا انكسرت.
والمعنى ها هنا به الإهلاك. وأما الفصم ـ بالفاء ـ فهو الصدع في الشيء من غير بينونة» (١).
أى : وكثيرا من القرى الظالمة التي تجاوز أهلها حدود الحق ، ومردوا على الكفر والضلال ، أبدناها مع أهلها ، وعذبناها عذابا نكرا ، بسبب ظلمهم وبغيهم ، وأنشأنا من بعدهم قوما آخرين ليسوا مثلهم.
وأوقع ـ سبحانه ـ فعل القصم على القرى ، للإشعار بأن الهلاك قد أصابها وأصاب أهلها معها. فالكل قد دمره ـ سبحانه ـ تدميرا.
أما عند الإنشاء فقد أوقع الفعل على القوم فقال : (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) للإيماء إلى أن هؤلاء القوم الآخرين ، الذين لم يكونوا أمثال السابقين ، هم الذين ينشئون القرى ويعمرونها.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٢).
ثم صور ـ سبحانه ـ حال هؤلاء الظالمين عند ما أحسوا بالعذاب وهو نازل بهم فقال : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ).
وقوله : (أَحَسُّوا) من الإحساس. وهو إدراك الشيء بالحاسة. يقال : أحس فلان الشيء ، إذا علمه بالحس ، وأحس بالشيء ، إذا شعر به بحاسته.
وقوله : (يَرْكُضُونَ) من الركض وهو السير السريع ، وأصله : أن يضرب الرجل دابته برجله ليحثها على الجري والسرعة في المشي. والمقصود به هنا : الهرب بسرعة.
أى : فلما أحس هؤلاء الظالمون عذابنا المدمر ، وأيقنوا نزوله بهم ، وعلموا ذلك علما مؤكدا ، إذا هم يخرجون من قريتهم (يَرْكُضُونَ) أى : يهربون بسرعة وذعر ، حتى لكأنهم من اضطرابهم وخوفهم يظنون أن ذلك سينجيهم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٧٤.
(٢) سورة الإسراء الآية ١٧.