وإذا هنا فجائية ، والجملة بعدها جواب «لما».
وقوله ـ سبحانه ـ : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ) حكاية لما تقوله لهم الملائكة وهم يركضون هربا ـ على سبيل التهكم والاستهزاء.
أى : يقال لهم من جهة الملائكة أو من جهة المؤمنين لا تركضوا هاربين (وَارْجِعُوا إِلى) قريتكم وإلى (ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) أى : وإلى ما نعمتم فيه من العيش الهنيء. والخير الوفير ، الذي أبطركم وجعلكم تجحدون النعم ، ولم تستعملوها فيما خلقت له.
فقوله : (أُتْرِفْتُمْ) من الترفه ـ بالتاء المشددة مع الضم ـ وهي النعمة والطعام الطيب. يقال : ترف فلان ـ كفرح ـ إذا تنعم. وفلان أترفته النعمة ، إذا أطغته أو نعمته.
وقوله : (وَمَساكِنِكُمْ) معطوف على (ما).
أى : لا تهربوا وارجعوا إلى ما نعمتم فيه من العيش الهنيء ، وإلى مساكنكم التي كنتم تسكنونها ، وتتفاخرون بها.
(لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) أى يقصدكم غيركم لسؤالكم عما نزل بكم ، فتجيبوا عن علم ومشاهدة.
قال صاحب الكشاف : «قوله (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) تهكم بهم وتوبيخ ، أى : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم. فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة.
أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم ، وترتبوا في مراتبكم حتى يسألكم حشمكم وعبيدكم ، ومن تملكون أمره. وينفذ فيه أمركم ونهيكم ، ويقول لكم : بم تأمرون؟ وبما ذا ترسمون؟
وكيف نأتى ونذر كعادة المنعمين المخدّمين.
أو يسألكم الناس في أنديتكم .. ويستشيرونكم في المهمات. ويستضيئون بآرائكم.
أو يسألكم الوافدون عليكم ، ويستمطرون سحائب أكفكم .. قيل لهم ذلك تهكما إلى تهكم ، وتوبيخا إلى توبيخ» (١).
وهنا أدرك هؤلاء الظالمون ، أن الأمر جد لا هزل ، وأن العذاب نازل بهم لا محالة ، وأن القائلين لهم لا تركضوا ، إنما يتهكمون بهم. فأخذ أولئك الظالمون يتفجعون ويتحسرون قائلين : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٠٦.