والمعنى : إن هؤلاء الضالين قد أشركوا مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة ، فهل هذه الآلهة التي اتخذوها تستطيع أن تعيد الحياة إلى الأموات؟
كلا إنها لا تستطيع ذلك بإقرارهم ومشاهدتهم ، ومادام الأمر كذلك فكيف أباحوا لأنفسهم أن يتخذوا آلهة لا تستطيع أن تفعل شيئا من ذلك أو من غيره؟
إن اتخاذهم هذا لمن أكبر الأدلة وأوضحها على جهالاتهم وسفاهاتهم وسوء تفكيرهم.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر. وما كانوا يدّعون ذلك لآلهتهم ، لأنهم كانوا ينكرون البعث أصلا ويقولون : من يحيى العظام وهي رميم؟ قلت : الأمر كما ذكرت ولكنهم بادعائهم لها الإلهية ، يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار ، لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور ، والإنشار من جملة المقدورات. وفيه باب من التهكم بهم ، والتوبيخ والتجهيل ، وإشعار بأن ما استبعدوه من الله ـ تعالى ـ لا يصح استبعاده ، لأن الإلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإبداء والإعادة (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (مِنَ الْأَرْضِ) متعلق باتخذوا ، و «من» ابتدائية ، أى : اتخذوها من أجزاء الأرض كالحجارة وما يشبهها ، ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة للآلهة ، أى : اتخذوا آلهة كائنة من الأرض .. وعلى كلا التقديرين فالمراد بهذا التعبير التحقير والتجهيل.
ثم ساق ـ سبحانه ـ دليلا عقليا مستمدا من واقع هذا الكون فقال : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا).
أى : لو كان في السموات والأرض آلهة أخرى سوى الله ـ تعالى ـ ، تدبر أمرهما ، لفسدتا ولخرجتا عن نظامهما البديع ، الذي لا خلل فيه ولا اضطراب.
وذلك لأن تعدد الآلهة يلزمه التنازع والتغالب بينهم .. فيختل النظام لهذا الكون ، ويضطرب الأمر ، ويعم الفساد في هذا العالم.
ولما كان المشاهد غير ذلك إذ كل شيء في هذا الكون يسير بنظام محكم دقيق دل الأمر على أن لهذا الكون كله ، إلها واحدا قادرا حكيما لا شريك له.
قال صاحب الكشاف : «والمعنى لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما لفسدتا.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٠٩.