وفيه دلالة على أمرين : أحدهما : وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحدا.
الثاني : أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده ، لقوله (إِلَّا اللهُ).
فإن قلت : لم وجب الأمران؟ قلت : لعلمنا أن الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف.
قال عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق : كان والله أعز على من دم ناظري. ولكن لا يجتمع فحلان في شول ـ أى : في عدد مع النياق ـ (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) تنزيه لله ـ تعالى ـ عما قاله الجاهلون في شأنه ـ عزوجل ـ.
أى : فتنزيها لله وتقديسا وتبرئة لذاته عن أن يكون له شريك في ألوهيته ، وجل عما وصفه به الجاهلون.
وقوله ـ تعالى ـ : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) تأكيد لوحدانيته وقدرته ـ سبحانه ـ أى : لا يسأله سائل ـ سبحانه ـ عما يفعله بعباده من إعزاز وإذلال. وهداية وإضلال ، وغنى وفقر ، وصحة ومرض ، وإسعاد وإشقاء .. لأنه هو الرب المالك المتصرف في شئون خلقه ، وهم يسألون يوم القيامة عن أعمالهم وأقوالهم لأنهم عبيده ، وقد أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، فمنهم من اتبع الرسل فسعد وفاز ، ومنهم من استحب العمى على الهدى فشقي وهلك.
وبعد أن ساق ـ سبحانه ـ دليلا عقليا على وحدانيته ، أتبعه بدليل آخر نقلي ، فقال ـ تعالى ـ : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ، هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ..).
قال الآلوسى ما ملخصه : هذا إضراب وانتقال من إظهار بطلان كون ما اتخذوه آلهة ، لخلوها من خصائصها التي من جملتها الإنشار ، إلى تبكيتهم ومطالبتهم بالبرهان على دعواهم الباطلة ، وتحقيق أن جميع الكتب السماوية ناطقة بحقية التوحيد ، وبطلان الإشراك .. (٢).
أى : إن هؤلاء الكافرين قد أشركوا مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة ، بسبب جهلهم وعنادهم وجحودهم للحق .. قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل التبكيت والتوبيخ (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على أن مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى تستحق مشاركته في
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١١١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٣١.