كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا ، وعطف بذكر قصة مريم ، في إيجاده ولدها عيسى ـ عليهالسلام ـ منها من غير أب.
وهي مريم ابنة عمران ـ من سلالة داود ـ عليهالسلام ـ وكانت من بيت طاهر في بنى إسرائيل ... ونشأت نشأة عظيمة ، فكانت إحدى العابدات الناسكات ...
وكانت في كفالة زوج أختها زكريا ـ عليهالسلام ـ ورأى لها من الكرامات الهائلة ما بهره ...» (١).
والمعنى : (وَاذْكُرْ) ـ أيها الرسول الكريم ـ (فِي الْكِتابِ) أى في هذه السورة الكريمة ، أو في القرآن الكريم ، خبر مريم وقصتها (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) أى : وقت أن تنحت عنهم واعتزلتهم في مكان يلي الناحية الشرقية من بيت المقدس ، أو من بيتها الذي كانت تسكنه.
وفي التعبير بقوله ـ تعالى ـ (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها) إشارة إلى شدة عزلتها عن أهلها إذ النبذ معناه الطرح والرمي ، فكأنها ألقت بنفسها في هذا المكان لتختلى للعبادة والطاعة ، والتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بصالح الأعمال.
قال القرطبي : واختلف الناس لم انتبذت؟ فقال السدى : انتبذت لتطهر من حيض أو نفاس. وقال غيره : لتعبد الله وهذا حسن. وذلك أن مريم كانت وقفا على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه ، فتنحت من الناس لذلك ، ودخلت في المسجد إلى جانب المحراب في شرقيه لتخلو للعبادة ..
فقوله (مَكاناً شَرْقِيًّا) أى : مكانا من جانب الشرق. والشرق ـ بسكون الراء ـ المكان الذي تشرق فيه الشمس. والشرق ـ بفتح الراء ـ الشمس.
وإنما خص المكان بالشرق ، لأنهم كانوا يعظمون جهة المشرق ، حيث تطلع الأنوار ...» (٢).
وقوله : (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) تأكيد لانتباذها من أهلها ، واعتزالها إياهم.
أى : اذكر وقت أن اعتزلت أهلها. في مكان يلي شرق بيت المقدس ، فاتخذت بينها وبينهم حجابا وساترا للتفرغ لعبادة ربها.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ١١٤.
(٢) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٩٠.