الحكم وإن جمعهما في القول ، فإن حكمين على حكم واحد لا يجوز وإنما حكم كل واحد منهما على انفراده ، وكان سليمان الفاهم لها بتفهيم الله ـ تعالى ـ له (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) جملة معترضة جيء بها لبيان شمول علم الله ـ تعالى ـ وإحاطته بكل شيء.
أى : وكنا لما حكم به كل واحد منهما عالمين وحاضرين ، بحيث لا يغيب عنا شيء مما قالاه.
وضمير الجمع في قوله (لِحُكْمِهِمْ) : لداود وسليمان ، واستدل بذلك من قال إن أقل الجمع اثنان ، وقيل : ضمير الجمع يعود عليهما وعلى صاحب الزرع وصاحب الحرث أى : وكنا للحكم الواقع بين الجميع شاهدين.
والضمير المنصوب في قوله ـ تعالى ـ : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) يعود إلى القضية أو المسألة التي عرضها الخصمان على داود وسليمان.
أى : ففهمنا سليمان الحكم الأنسب والأوفق في هذه المسألة أو القضية ، وذلك لأن داود ـ كما يقول العلماء. قد اتجه في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب. أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير ، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير ، وهذا هو العدل الحي الإيجابى في صورته البانية الدافعة ، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) ثناء من الله ـ تعالى ـ على داود وسليمان ـ عليهماالسلام ـ والمقصود من هذا الثناء دفع ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن داود لم يكن مصيبا في حكمه.
أى : وكلا من داود وسليمان قد أعطيناه من عندنا (حُكْماً) أى : نبوة وإصابة في القول والعمل (وَعِلْماً) أى : فقها في الدين ، وفهما سليما للأمور.
وقد توسع بعض المفسرين في الحديث عن هذا الحكم الذي أصدره داود وسليمان في قضية الحرث أكان بوحي من الله إليهما ، أم كان باجتهاد منهما ، وقد رجح بعض العلماء أنه كان باجتهاد منهما فقال : اعلم أن جماعة من العلماء قالوا : إن حكم داود وسليمان في الحرث المذكور في هذه الآية كان بوحي ، إلا أن ما أوحى إلى سليمان كان ناسخا لما أوحى إلى داود.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٣٠٧.
(٢) في ظلال القرآن ج ١٧ ص ٥٥١.