ويبدو لنا أنه لا مانع من أن يكون المراد بالأرض التي يرثها العباد الصالحون ، ما يشمل أرض الجنة وأرض الدنيا ، لأنه لم يرد نص يخصص أحد المعنيين.
وقد سار على هذا التعميم الإمام ابن كثير فقال عند تفسيره لهذه الآية : «يقول الله ـ تعالى ـ مخبرا عما قضاه لعباده الصالحين ، من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة كقوله ـ تعالى ـ (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١) وقال ـ سبحانه ـ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٢).
وأخبر ـ تعالى ـ أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية ، فهو كائن لا محالة ، ولهذا قال : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ..) (٣).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) يعود على القرآن الكريم الذي منه هذه السورة.
والبلاغ : الشيء الذي يكفى الإنسان للوصول إلى غايته. يقال : في هذا الشيء بلاغ أى : كفاية أو سبب لبلوغ المقصد.
أى : إن في هذا القرآن ، وفيما ذكر في هذه السورة من آداب وهدايات ، وعقائد وتشريعات ، لبلاغا وكفاية في الوصول إلى الحق ، لقوم عابدين.
وخص العابدين بالذكر ، لأنهم هم المنتفعون بتوجيهات القرآن الكريم ، إذ العابد لله ـ تعالى ـ بإخلاص ، يكون خاشع القلب ، نقى النفس ، مستعدا للتلقي والتدبر والانتفاع.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن من مظاهر فضله على الناس أن أرسل إليهم نبيه صلىاللهعليهوسلم ليكون رحمة لهم فقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).
أى : وما أرسلناك ـ أيها الرسول الكريم ـ بهذا الدين الحنيف وهو دين الإسلام ، إلا من أجل أن تكون رحمة للعالمين من الإنس والجن.
وذلك لأننا قد أرسلناك بما يسعدهم في دينهم وفي دنياهم وفي آخرتهم متى اتبعوك ، واستجابوا لما جئتهم به ، وأطاعوك فيما تأمرهم به أو تنهاهم عنه.
وفي الحديث الشريف : «إنما أنا رحمة مهداة» فرسالته صلىاللهعليهوسلم رحمة في ذاتها ، ولكن
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٢٨.
(٢) سورة غافر الآية ٥١.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٨٠.