هذه الرحمة انتفع بها من استجاب لدعوتها ، أما من أعرض عنها فهو الذي ضيع على نفسه فرصة الانتفاع.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد وضح هذا المعنى فقال : أرسل صلىاللهعليهوسلم «رحمة للعالمين» لأنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه. ومن خالف ولم يتبع ، فإنما آتى من عند نفسه ، حيث ضيع نصيبه منها. ومثاله : أن يفجر الله عينا عذيقة ـ أى : كبيرة عذبة ـ ، فيسقى ناس زروعهم ، ومواشيهم بمائها فيفلحوا ، ويبقى ناس مفرطون فيضيعوا. فالعين المفجرة في نفسها نعمة من الله ـ تعالى ـ ورحمة للفريقين. ولكن الكسلان محنة على نفسه ، حيث حرمها ما ينفعها» (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يخبر الناس بأن رسالته لحمتها وسداها الدعوة إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده فقال : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ..)
أى : قل ـ يا محمد ـ للناس : إن الذي أوحاه الله ـ تعالى ـ إلىّ من تكاليف وهدايات وعبادات وتشريعات .. تدور كلها حول إثبات وحدانيته ـ سبحانه ـ ووجوب إخلاص العبادة له وحده.
قال الآلوسى ـ رحمهالله ـ : «ذهب جماعة إلى أن في الآية حصرين : الأول : لقصر الصفة على الموصوف. والثاني : لقصر الموصوف على الصفة.
فالأول : قصر فيه الوحى على الوحدانية. والثاني : قصر فيه الله ـ تعالى ـ على الوحدانية ، والمعنى : ما يوحى إلىّ إلا اختصاص الله بالوحدانية ، ومعنى هذا القصر أنه الأصل الأصيل وما عداه راجع إليه ، أو غير منظور إليه في جانبه ..» (٢).
والاستفهام في قوله ـ سبحانه ـ : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) للتحضيض أى : مادام الأمر كما ذكر لكم فأسلموا لتسلموا.
ثم أرشد ـ سبحانه ـ النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ما يقوله للناس في حال إعراضهم عن دعوته ، فقال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ ..).
وآذنتكم : من الإيذان بمعنى الإعلام والإخبار. ومنه الأذان للصلاة بمعنى الإعلام بدخول وقتها.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٣٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٠٦.