والمعنى : يا أيها الناس اتقوا ربكم اتقاء تاما ، بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما لا يرضيه ، وبأن تسارعوا إلى فعل ما يحبه ، لأن ما يحدث في هذا الكون عند قيام الساعة ، شيء عظيم ، ترتجف لهوله القلوب ، وتخشع له النفوس.
وقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) بصيغة الإجمال والإبهام لهذا الشيء العظيم ، لزيادة التهويل والتخويف.
ثم فصل ـ سبحانه ـ هذا الشيء العظيم تفصيلا يزيد في وجل القلوب فقال : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ...).
والضمير في «ترونها» ، يعود إلى الزلزلة لأنها هي المتحدث عنها والظرف «يوم» منصوب بالفعل تذهل ، والرؤية بصرية لأنهم يرون ذلك بأعينهم.
والذهول : الذهاب عن الأمر والانشغال عنه مع دهشة وحيرة وخوف ، ومنه قول عبد الله ابن رواحة ـ رضى الله عنه ـ :
ضربا يزيل الهام عن مقيله |
|
ويذهل الخليل عن خليله |
أى : أن هذه الزلزلة من مظاهر شدتها ورهبتها ، أنكم ترون الأم بسببها تنسى وتترك وليدها الذي ألقمته ثديها. وكأنها لا تراه ولا تحس به من شدة الفزع.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : لم قيل (مُرْضِعَةٍ) دون مرضع؟ قلت : المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبى ، والمرضع : التي من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به ، فقيل : مرضعة ، ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه ، وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة (عَمَّا أَرْضَعَتْ) عن إرضاعها : أو عن الذي أرضعته وهو الطفل ...» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) بيان لحالة ثانية تدل على شدة الزلزلة وعلى عنف آثارها.
أى : وترونها ـ أيضا ـ تجعل كل حامل تضع حملها قبل تمامه من شدة الفزع.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالة ثالثة للآثار التي تدل على شدة هذه الزلزلة فقال : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ).
أى : وترى ـ أيها المخاطب ـ الناس في هذا الوقت العصيب ، هيئتهم كهيئة السكارى
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٤٢.