من قوة الرعب والفزع. وما هم على الحقيقة بسكارى ، لأنهم لم يشربوا ما يسكرهم ولكن عذاب الله شديد. أى : ولكن شدة عذابه ـ سبحانه ـ هي التي جعلتهم بهذه الحالة التي تشبه حالة السكارى في الذهول والاضطراب.
وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى فقال : «وتراهم سكارى على التشبيه ، وما هم بسكارى على التحقيق ، ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله ، هو الذي أذهب عقولهم ، وطير تمييزهم ، وردهم في نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه ...».
وقد علق صاحب الانتصاف على عبارة صاحب الكشاف هذه فقال : قال أحمد : والعلماء يقولون : إن من أدلة المجاز صدق نقيضه ، كقولك : زيد حمار ، إذا وصفته بالبلادة ، ثم يصدق أن تقول : وما هو بحمار ، فتنفى عنه الحقيقة ، فكذلك الآية ، بعد أن أثبت السكر المجازى نفى الحقيقة أبلغ نفى مؤكد بالباء ، والسر في تأكيده : التنبيه على أن هذا السكر الذي هو بهم في تلك الحالة ليس من المعهود في شيء ، وإنما هو أمر لم يعهدوا مثله من قبل. والاستدراك بقوله (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) راجع إلى قوله : (وَما هُمْ بِسُكارى) وكأنه تعليل لإثبات السكر المجازى ، فكأنه قيل : إذا لم يكونوا سكارى من الخمر فما هذا السكر الغريب وما سببه؟ فقال : شدة عذاب الله ـ تعالى ـ» (١).
هذا ، وقد اختلف العلماء في وقت هذه الزلزلة المذكورة هنا ، فمنهم من يرى أنها تكون في آخر عمر الدنيا ، وأول أحوال الساعة ومنهم من يرى أنها تكون يوم القيامة ، بعد خروج الناس من قبورهم للحساب.
وقد وفي هذه المسألة حقها الإمام ابن كثير فقال ما ملخصه : «قال قائلون : هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا. وأول أحوال الساعة.
وقال آخرون : بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال ، كائن يوم القيامة في العرصات ، بعد القيام من القبور.
ثم ساق ـ رحمهالله ـ سبعة أحاديث استدل بها أصحاب الرأى الثاني.
ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يقول الله ـ تعالى ـ يوم القيامة : يا آدم. فيقول : لبيك ربنا وسعديك. فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ، قال : يا رب ، وما بعث النار؟ قال : من كل ألف ـ أراه قال ـ تسعمائة وتسعة وتسعين ، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب
__________________
(١) تفسير الكشاف وحاشية ج ٣ ص ١٤٢.