وصح عطف المضارع وهو «يصدون» على الماضي وهو «كفروا» لأن المضارع هنا لم يقصد به زمن معين من حال أو استقبال ، وإنما المراد به مجرد الاستمرار ، كما في قولهم : فلان يحسن إلى الفقراء ، فإن المراد به استمرار وجود إحسانه.
ويجوز أن يكون قوله (وَيَصُدُّونَ ...) خبرا لمبتدأ محذوف ، أى : وهم يصدون عن المسجد الحرام. وخبر إن في قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) محذوف لدلالة آخر الآية عليه.
والمعنى : إن الذين أصروا على كفرهم بما أنزله الله ـ تعالى ـ على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ، واستمروا على منع أهل الحق من أداء شعائر دين الله ـ تعالى ـ ، ومن زيارة المسجد الحرام .. هؤلاء الكافرون سوف نذيقهم عذابا أليما.
ويصح أن يكون الخبر محذوفا للتهويل والإرهاب. وكأن وصفهم بالكفر والصد كاف في معرفة مصيرهم المهين.
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قيل إنه المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن ، لأنه لم يذكر غيره ، وقيل الحرم كله ، لأن المشركين صدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه عنه عام الحديبية ، فنزل خارجا عنه ... وهذا صحيح لكنه قصد هنا بالذكر المهم المقصود من ذلك (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ..) تشريف لهذا المكان حيث جعل الله ـ تعالى ـ الناس تحت سقفه سواء ، وتشنيع على الكافرين الذين صدوا المؤمنين عنه.
ولفظ «سواء» قرأه جمهور القراء بالرفع على أنه خبر مقدم ، والعاكف : مبتدأ ، والباد معطوفة عليه أى : العاكف والباد سواء فيه. أى مستويان فيه.
وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على أنه المفعول الثاني لقوله «جعلناه» بمعنى صيرناه. أى : جعلناه مستويا فيه العاكف والباد. ويصح أن يكون حالا من الهاء في (جَعَلْناهُ) أى : وضعناه للناس حال كونه سواء العاكف فيه والباد.
والمراد : بالعاكف فيه : المقيم فيه. يقال : عكف فلان على الشيء ، إذا لازمه ولم يفارقه. والباد : الطارئ عليه من مكان آخر. وأصله من يكون من أهل البوادي الذين يسكنون المضارب والخيام ، ويتنقلون من مكان إلى آخر.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٣٢.