وهذه الجملة الكريمة مؤكدة لما سبق من وجوب تعظيم حرمات الله ، ومن وجوب التمسك بما أحله الله والبعد عما حرمه.
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) تعميم بعد تخصيص ، فإن عبادة الأوثان رأس الزور ، لما فيها من ادعاء الاستحقاق ، كأنه ـ تعالى ـ لما حث على تعظيم الحرمات ، أتبع ذلك بما فيه رد لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب ونحوهما ، والافتراء على الله ـ تعالى ـ بأنه حكم بذلك. ولم يعطف قول الزور على الرجس ، بل أعاد العامل لمزيد الاعتناء. والإضافة بيانية .. (١).
وجملة (حُنَفاءَ لِلَّهِ) وجملة (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) حالان مؤكدتان لما قبلهما من وجوب اجتناب عبادة الأوثان ، واجتناب قول الزور.
أى : اجتنبوا ما أمرناكم باجتنابه حال كونكم ثابتين على الدين الحق ، مخلصين لله العبادة.
ثم صور ـ سبحانه ـ حال من يشرك بالله تصويرا تنخلع له القلوب ، ويحمل كل عاقل على اجتناب هذا الرجس فقال : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ، أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ).
أى : ومن يشرك بالله ـ تعالى ـ في عبادته ، ومات على ذلك ، فكأنما سقط من السماء إلى الأرض ، فاختطفته جوارح الطير بسرعة فمزقت أوصاله ، أو تسقطه الريح في مكان بعيد أشد البعد بحيث لا يعثر له على أثر.
والمقصود من هذه الجملة تقبيح حال الشرك والمشركين ، وبيان أن الوقوع في الشرك يؤدى إلى الهلاك الذي لا نجاة معه بحال ، لأن من يسقط من السماء فتتمزق أوصاله ، وتتخطفه الطير أو تلقى به الريح في مكان بعيد لا يطمع له في نجاة ، بل هو هالك لا محالة.
فالجملة الكريمة مقررة لوجوب اجتناب الشرك بأبلغ صورة.
قال صاحب الكشاف : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق ، فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية ، بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق مزعا ـ أى قطعا ـ في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح ـ أى المقاذف ـ البعيدة.
وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٤٨.