من السماء ، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة ، بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوى المتلفة (١).
ثم أمر ـ سبحانه ـ بتعظيم شعائره بعد أن أمر بتعظيم حرماته فقال : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
قال القرطبي : والشعائر : جمع شعيرة ، وهي كل شيء لله ـ تعالى ـ فيه أمر أشعر به وأعلم. ومنه شعار القوم في الحرب ، أى : علامتهم التي يتعارفون بها. ومنه إشعار البدنة وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدم فيكون علامة لها .. فشعائر الله : إعلان دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك. وقال قوم : المراد هنا تسمين البدن. والاهتمام بأمرها .. (٢).
والمعنى : ذلك الذي أمرناكم به أو نهيناكم عنه عليكم امتثاله وطاعته ، والحال أن من يعظم شعائر الله ، التي من بينها الذبائح التي يتقرب بها إليه ـ تعالى ـ يكون تعظيمه إياها عن طريق تسمينها ، وحسن اختيارها يكون دليلا على تقوى القلوب ، وحسن صلتها بالله ـ سبحانه ـ وخشيتها منه ، وحرصها على رضاه ـ عزوجل ـ.
قال الآلوسى : وتعظيمها أن تختار حسانا سمانا غالية الأثمان. روى أنه صلىاللهعليهوسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبى جهل في أنفه برة ـ أى حلقة ـ من ذهب. وعن عمر أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار ، فسأل النبي صلىاللهعليهوسلم أن يبيعها ويشترى بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك ، وقال له : بل أهدها .. (٣).
وفي إضافة هذه الشعائر إلى الله ـ تعالى ـ : حض على الاهتمام بها وفعل ما يرضى الله ـ تعالى ـ بالنسبة لها.
والضمير المؤنث في قوله (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) يعود على الفعلة التي يتضمنها الكلام ، أو إلى الشعائر بحذف المضاف ، أى : فإن تعظيمها أى الشعائر من تقوى القلوب ، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) بيان لبعض مظاهر نعم الله ـ تعالى ـ عليهم في هذه الأنعام.
أى : لكم ـ أيها المؤمنون ـ في تلك الأنعام التي تقدمونها قربة لله ـ تعالى ـ «منافع» تصل إليكم عن طريق ركوبها ولبنها ونسلها .. وهذه المنافع موقوتة إلى وقت معين ، هو وقت
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٥٥.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٥٦.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٥٠.