هذه الآية. وهي أول آية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وعد منه ـ سبحانه ـ للمؤمنين بالنصر وحض لهم على الإقدام على الجهاد في سبيله بدون تردد أو وهن.
أى : وإن الله ـ تعالى ـ لقادر على أن ينصر عباده المؤمنين. وعلى أن يمكن لهم في الأرض ، وعلى أن يجعلهم الوارثين لأعدائهم الكافرين.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : قوله : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) أى : هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ، ولكنه يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ، ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ..) (٢).
وإنما شرع ـ سبحانه ـ الجهاد في الوقت الأليق به ، لأنهم لما كانوا بمكة ، كان المشركون أكثر عددا. فلو أمر المسلمون بالقتال لشق ذلك عليهم ...
فلما استقروا بالمدينة. وصارت لهم دار إسلام ، ومعقلا يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء ، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك .. (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ..) بيان لبعض الأسباب التي من أجلها شرع الله الجهاد في سبيله.
أى : إن الله ـ تعالى ـ لقدير على نصر المؤمنين الذين أخرجهم الكافرون من ديارهم بغير حق ، وبغير أى سبب من الأسباب ، سوى أنهم كانوا يقولون ربنا الله ـ تعالى ـ وحده ، ولن نعبد من دونه إلها آخر.
أى : ليس هناك ما يوجب إخراجهم ـ في زعم المشركين ـ سوى قولهم ربنا الله.
ثم حرض ـ سبحانه ـ المؤمنين على القتال في سبيله ، بأن بين لهم أن هذا القتال يقتضيه نظام هذا العالم وصلاحه ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً).
والمراد بالدفع : إذن الله المؤمنين في قتال المشركين. والمراد بقوله : (بَعْضَهُمْ)
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٦٢.
(٢) سورة محمد الآية ٤.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٤٣١.