وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير.
وفي رواية عن عكرمة ومجاهد هو يوم القيامة لا ليلة له ، وكذا قال الضحاك والحسن.
وهذا القول هو الصحيح ، وإن كان يوم بدر من جملة ما أو عدوا به ، لكن هذا هو المراد ، ولهذا قال : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) كقوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر قدرته ، وشمول قهره لغيره فقال : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ..) والتنوين في قوله (يَوْمَئِذٍ) عوض عن جملة.
أى : السلطان القاهر ، والتصرف الكامل ، يوم تأتيهم الساعة بغتة ، أو يوم يأتيهم عذابها يكون لله ـ تعالى ـ وحده ، كما أن الحكم بين الناس جميعا يكون له وحده ـ سبحانه ـ (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ) يكونون في هذا اليوم (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) التي جاءتهم بها رسلنا (فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أى : لهم عذاب ينالون بسببه ما ينالون من هوان وذل.
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا) من ديارهم (فِي سَبِيلِ) إعلاء كلمة الله ونصرة دينه (ثُمَّ قُتِلُوا) أى : قتلهم الكفار في الجهاد (أَوْ ماتُوا) أى : على فراشهم.
هؤلاء وهؤلاء (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ) ـ تعالى ـ بفضله وكرمه (رِزْقاً حَسَناً) يرضيهم ويسرهم يوم يلقونه. حيث يبوئهم جنته.
قال ـ تعالى ـ : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ..) (٢).
وقال ـ سبحانه ـ (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) تذييل قصد به بيان أن عطاءه ـ سبحانه ـ فوق كل عطاء ، لأنه يرزق من يشاء بغير حساب ، ويعطى من يشاء دون أن ينازعه منازع ، أو يعارضه معارض ، أو ينقص مما عنده شيء.
وقوله ـ تعالى ـ : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ ..) استئناف مقرر لما قبله.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٤٤٢.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٦٩.
(٣) سورة النساء آية ١٠٠.