رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٧٦)
والمثل : الشبيه والنظير ، ثم أطلق على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه ـ وهو الذي يضرب فيه ـ بمورده ـ وهو الذي ورد فيه أولا ـ ولا يكون إلا لما فيه غرابة.
وإنما تضرب الأمثال لإيضاح المعنى الخفى ، وتقريب الشيء المعقول من الشيء المحسوس ، وعرض الغائب في صورة المشاهد ، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس.
وسمى الله ـ تعالى ـ ما ساقه في هذه الآية الكريمة مثلا ، لأن ما يفعله المشركون من عبادتهم لآلهة عاجزة ، يشبه المثل في غرابته وفي التعجب من فعله.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الذي جاء به ـ سبحانه ـ ليس بمثل فكيف سماه مثلا؟.
قلت : قد سميت الصفة أو القصة الرائعة الملتقاة بالاستغراب مثلا ، تشبيها لها ببعض الأمثال المسيرة ، لكونها مستحسنة مستغربة عندهم (١).
والمعنى : يا أيها الناس لقد بينا لكم قصة مستغربة وحالا عجيبة. لما يعبد من دون الله ـ تعالى ـ فاستمعوا إليها بتدبر وتعقل.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ..) بيان للمثل وتفسير له.
والذباب : اسم جنس واحده ذبابة ـ وهي حشرة معروفة بطيشها وضعفها وقذارتها.
أى : إن المعبودات الباطلة التي تعبدونها أيها المشركون ، لن تستطيع أن تخلق ذبابة واحدة ، حتى لو اشتركت جميعها في محاولة خلق هذه الذبابة.
قال صاحب الكشاف : وهذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل قريش ، واستركاك عقولهم. والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه ـ أى قد ربطهم برباطه ، حيث وصفوا بالإلهية ـ التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها ـ صورا وتماثيل ، يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه وأذله وأصغره وأحقره ، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا .. (٢).
__________________
(١ ، ٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٧١.